بسم الله الرحمن الرحيم
س 31 : سأل أخوان من بريطانيا : مَا حُكْمُ الْقِرَاءَةِ بِالْمَقَامَاتِ الْمُوسِيقِيَّةِ ؟
ملخص إجابة السؤال :
من قال لا يجوز تعلم المقامات الصوتية الطبيعية ؟! كيف لا يجوز ، وهو أمر في طبيعة الإنسان ، ولا توجد قراءة إلا بمقام شاء صاحبها أم أبى ، تعلم المقامات الصوتية من خلال صوت القارئ والأناشيد والابتهالات لتحسين الصوت أثناء تلاوة القرآن بخلاف المقامات الموسيقية التي يتم تعلمها من خلال الآلات الموسيقية فمذهب جمهور الفقهاء تحريمها .
ج 31 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
يَجِبُ أَوَّلاً أَنْ أُنَبِّهَ عَلَى أَمْرَيْنِ ؛ الأُمْرُ الأَوَّلُ : أَنْ تَحْسِينَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مُسَتَحَبٌّ ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ : ( يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ ) (46).
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللهِ :
" أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَتَرْتِيلِهَا " ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : "وَالأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّحْزِينِ وَالتَّشْوِيقِ " . أ . هـ .
الأَمْرُ الثَّانِي : أَجْمَعَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ عَلَى حُرْمَةِ الْمُوسِيقَى تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :
( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ – اٍلزِّنَا - وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ) (47) .
(46) حَدِيثٌ صَحِيحٌ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (4761) (4/1925) ، وَمُسْلِمٌ (236) (1/546) ، وَلَفْظُهُ : " لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ ، لَقَدْ أُوتيِتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ " ، قَوْلُهُ (وَأَنَا أَسْتَمِعُ ) الوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ ، وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ لأَعْجَبَكَ ذَلِكَ . وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ أَبُو مُوسَى : " يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ عَلِمْتُ مَكَانَكَ لَحَبَّرْتُ لَكَ تَحْبِيرًا " . أَثَرٌ صَحِيحٌ . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانِ (7197) (16/169) ، وَالْحَاكِمُ (5966) (3/529) ، وَأَبُو يَعْلَى (7279) (13/213) ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ (4178) (2/485) ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ (29947) (6/119) ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ (2149) (2/389) ، (2604) ((2/525) ، وَفِي السُّنَنِ الْكُبْرَى (4484) (3/12) ، (20843) (10/230) ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى (8058) (5/23) ،وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ (1/258) ، (8/302)، وَابْنُ الْجَعْدِ (3458) (1/496) .(47) حَدِيثٌ صَحِيحٌ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ (5268) (5/2123) مُعَلَّقً بِصِيغَةِ الْجَزْمِ ، وَوَصَلَهُ بِأَسَانِيدَ صَحَاحٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ كَمَا فِي " الْفَتْحِ " ( 10 / 56 ) وَ " التَّغْلِيقِ " لابْنِ حَجَرٍ ( 5 / 19 ) ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ الإِسْمَاعِيلِيِّ (20777) (10/221) ، (5895) (3/272) ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ (4039) (2/443) ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (6754) (15/154) ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ (3417) (3/282) ، وَفِي مُسْنَدِ الشَّاِمِّيينَ (588) (1/334) .
وَأَمَّا عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالأَلْحَانِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ أَنَّهُ قَالَ : " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ ، قَالَ : فَرَجَّعَ فِيهَا ، قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلِ ، وَقَالَ : لَوْلا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ : كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ ؟ قَالَ : آ آ آ ثَلاثَ مَرَّاتٍ "(48)
قَالَ الْقَاضِي : " وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ بِالأَلْحَانِ ، فَكَرِهَهَا مَالِكُ وَالْجُمْهُورُ لِخُرُوجِهَا عَمَّا جَاءَ الْقُرْآنُ لَهُ مِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّفَهُّمِ ، وَأَبَاحَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ ".أ .هـ .
وَالتَّرْجِيعُ تَرْدِيدُ الصَّوْتِ فِي الْحَلْقِ مَعَ اللَّحْنِ وَالنَّغَمِ . وًفٍي قَوْلِهِ : " لَوْلا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ ... إلخ" إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَمِيلُ الْقُلُوبَ وَالنُّفُوسَ إِلَى الإِصْغَاءِ .
، وَمِمَّا مَضَى يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَارِئِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمَقَامَاتِ الْصَّوْتِيَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُوضَ فِي الْمُوسِيقَى وَآلاتِهَا ، وَذَلِكَ بِالتَّلَقِّي وَالتَّقْلِيدِ لِلتِّلاوَاتِ الَّتِي يَشِيعُ فِيهَا هَذِهِ الْمَقَامَاتُ ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِهَذِهِ الْمَقَامَاتِ بِشَرْطِ الالْتِزَامِ الْكَامِلِ بِأَحْكَامِ التِّلاوَةِ وَمَخَارِجِ الْحُرُوفِ أَثْنَاءَ التِّلاوَةِ ، وَإِذَا تَعَارَضَ مَقَامٌ مَعَ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ التَّجْوِيدِ قُدِّمَ حُكْمُ التَّجْويدِ عَلَى الْمَقَامِ الصوتي كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَيْمَنُ رُشْدِي سُوَيِّد حَفِظَهُ اللهُ(49). وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِئِ أَنْ يَخْشَى اللهَ فِي تِلاوَتِهِ ، وَأَنْ يُخْلِصَ عَمَلَهُ للهِ فَلا يُرَائِي النَّاسَ ، وَأَنْ يُحَصِّنَ نَفْسَهُ مِنَ الْعُجْبِ فَإِنَّهُ مُحْبِطٌ لِلْعَمَلِ ، َأْسَأَلُ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَنَا الْخَطَأَ وَالزَّلَلَ ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ . وَاللهُ أَعْلَمُ .
(48) حَدِيثٌ صَحِيحٌ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ (70102) (6/2742) ، (4031) (4/1560) ، (4747) (4/1921) ، (4555) (4/1830) ، (4760) (4/1925) ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ (794) (1/547) .(49) وَانْظُرْ رِسَالَتَهُ " الْبَيَانُ لِحُكْمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالأَلْحَانِ " طَبْعَةُ دَارِ الصَّحَابَةِ .
س 31 : سأل أخوان من بريطانيا : مَا حُكْمُ الْقِرَاءَةِ بِالْمَقَامَاتِ الْمُوسِيقِيَّةِ ؟
ملخص إجابة السؤال :
من قال لا يجوز تعلم المقامات الصوتية الطبيعية ؟! كيف لا يجوز ، وهو أمر في طبيعة الإنسان ، ولا توجد قراءة إلا بمقام شاء صاحبها أم أبى ، تعلم المقامات الصوتية من خلال صوت القارئ والأناشيد والابتهالات لتحسين الصوت أثناء تلاوة القرآن بخلاف المقامات الموسيقية التي يتم تعلمها من خلال الآلات الموسيقية فمذهب جمهور الفقهاء تحريمها .
ج 31 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
يَجِبُ أَوَّلاً أَنْ أُنَبِّهَ عَلَى أَمْرَيْنِ ؛ الأُمْرُ الأَوَّلُ : أَنْ تَحْسِينَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مُسَتَحَبٌّ ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ : ( يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ ) (46).
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللهِ :
" أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَتَرْتِيلِهَا " ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : "وَالأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّحْزِينِ وَالتَّشْوِيقِ " . أ . هـ .
الأَمْرُ الثَّانِي : أَجْمَعَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ عَلَى حُرْمَةِ الْمُوسِيقَى تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :
( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ – اٍلزِّنَا - وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ) (47) .
(46) حَدِيثٌ صَحِيحٌ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (4761) (4/1925) ، وَمُسْلِمٌ (236) (1/546) ، وَلَفْظُهُ : " لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ ، لَقَدْ أُوتيِتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ " ، قَوْلُهُ (وَأَنَا أَسْتَمِعُ ) الوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ ، وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ لأَعْجَبَكَ ذَلِكَ . وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ أَبُو مُوسَى : " يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ عَلِمْتُ مَكَانَكَ لَحَبَّرْتُ لَكَ تَحْبِيرًا " . أَثَرٌ صَحِيحٌ . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانِ (7197) (16/169) ، وَالْحَاكِمُ (5966) (3/529) ، وَأَبُو يَعْلَى (7279) (13/213) ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ (4178) (2/485) ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ (29947) (6/119) ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ (2149) (2/389) ، (2604) ((2/525) ، وَفِي السُّنَنِ الْكُبْرَى (4484) (3/12) ، (20843) (10/230) ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى (8058) (5/23) ،وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ (1/258) ، (8/302)، وَابْنُ الْجَعْدِ (3458) (1/496) .(47) حَدِيثٌ صَحِيحٌ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ (5268) (5/2123) مُعَلَّقً بِصِيغَةِ الْجَزْمِ ، وَوَصَلَهُ بِأَسَانِيدَ صَحَاحٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ كَمَا فِي " الْفَتْحِ " ( 10 / 56 ) وَ " التَّغْلِيقِ " لابْنِ حَجَرٍ ( 5 / 19 ) ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ الإِسْمَاعِيلِيِّ (20777) (10/221) ، (5895) (3/272) ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ (4039) (2/443) ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (6754) (15/154) ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ (3417) (3/282) ، وَفِي مُسْنَدِ الشَّاِمِّيينَ (588) (1/334) .
وَأَمَّا عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالأَلْحَانِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ أَنَّهُ قَالَ : " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ ، قَالَ : فَرَجَّعَ فِيهَا ، قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلِ ، وَقَالَ : لَوْلا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ : كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ ؟ قَالَ : آ آ آ ثَلاثَ مَرَّاتٍ "(48)
قَالَ الْقَاضِي : " وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ بِالأَلْحَانِ ، فَكَرِهَهَا مَالِكُ وَالْجُمْهُورُ لِخُرُوجِهَا عَمَّا جَاءَ الْقُرْآنُ لَهُ مِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّفَهُّمِ ، وَأَبَاحَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ ".أ .هـ .
وَالتَّرْجِيعُ تَرْدِيدُ الصَّوْتِ فِي الْحَلْقِ مَعَ اللَّحْنِ وَالنَّغَمِ . وًفٍي قَوْلِهِ : " لَوْلا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ ... إلخ" إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَمِيلُ الْقُلُوبَ وَالنُّفُوسَ إِلَى الإِصْغَاءِ .
، وَمِمَّا مَضَى يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَارِئِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمَقَامَاتِ الْصَّوْتِيَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُوضَ فِي الْمُوسِيقَى وَآلاتِهَا ، وَذَلِكَ بِالتَّلَقِّي وَالتَّقْلِيدِ لِلتِّلاوَاتِ الَّتِي يَشِيعُ فِيهَا هَذِهِ الْمَقَامَاتُ ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِهَذِهِ الْمَقَامَاتِ بِشَرْطِ الالْتِزَامِ الْكَامِلِ بِأَحْكَامِ التِّلاوَةِ وَمَخَارِجِ الْحُرُوفِ أَثْنَاءَ التِّلاوَةِ ، وَإِذَا تَعَارَضَ مَقَامٌ مَعَ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ التَّجْوِيدِ قُدِّمَ حُكْمُ التَّجْويدِ عَلَى الْمَقَامِ الصوتي كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَيْمَنُ رُشْدِي سُوَيِّد حَفِظَهُ اللهُ(49). وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِئِ أَنْ يَخْشَى اللهَ فِي تِلاوَتِهِ ، وَأَنْ يُخْلِصَ عَمَلَهُ للهِ فَلا يُرَائِي النَّاسَ ، وَأَنْ يُحَصِّنَ نَفْسَهُ مِنَ الْعُجْبِ فَإِنَّهُ مُحْبِطٌ لِلْعَمَلِ ، َأْسَأَلُ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَنَا الْخَطَأَ وَالزَّلَلَ ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ . وَاللهُ أَعْلَمُ .
(48) حَدِيثٌ صَحِيحٌ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ (70102) (6/2742) ، (4031) (4/1560) ، (4747) (4/1921) ، (4555) (4/1830) ، (4760) (4/1925) ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ (794) (1/547) .(49) وَانْظُرْ رِسَالَتَهُ " الْبَيَانُ لِحُكْمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالأَلْحَانِ " طَبْعَةُ دَارِ الصَّحَابَةِ .
س 32- ما حكم ما يفعله بعض
الإئمة من الالتزام بالمقامات
الموسيقية مع مخالفة أحكام
التجويد والوقف والابتداء ؟
ج 32 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فقد قال الله سبحانه : ((وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا )) (4 المزمل) ، وقال عز وجل ((وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)) (32 الفرقان) ، وقال عز وجل (( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)) (18 القيامة) ، كل هذه الآيات أوامر ربانية لوجوب ترتيل القرآن الكريم لم يصرفها نص قرآني آخر أو نبوي للاستحباب ، وبناءً على ذلك وغيره من الأدلة أجمع علماء السلف على وجوب القراءة بأحكام التجويد سواء كانت القراءة سريعة بحدر أم متوسطة بتدوير أم بطيئة بتحقيق ، قال الإمام ابن الجزري رحمه الله :
وَيُقْرَأُ الْقُرآنُ بِالتَّحْقِيقِ مَعْ ... حَدْرٍ وَتَدْوِيرٍ وَكُلٌّ مُتَّبَعْ
مَعْ حُسْنِ صَوْتٍ بِلُحُونِ الْعَرَبِ ... مُرَتَّلاً مُجَوَّدًا بِالْعَرَبِي
وَاْلأَخْذُ بِالتَّجْوِيدِ حَتْمٌ لاَزِمُ ... مَنْ لَمْ يُجَوِّدِ الْقُرَآنَ آثِمُ
لأَنَّهُ بِهِ اْلإلَهُ أَنْزَلاَ ... وَهكَذَا عَنْهُ إِلَيْنَا وَصَلاَ
وَهُوَ إِعْطَاءُ الحُرُوفِ حَقَّهَا ... مِنْ صِفَةٍ لهَاَ وَمُسْتَحَقَّهَا
مُكَمَّلاً مِنْ غَيْرِ مَا تَكَلُّفِ ... بِاللُّطْفِ فِى النُّطْقِ بِلاَ تَعَسُّفِ
ومن جهة أخرى هناك شق آخر لعلم التجويد ، وهو علم الوقف والابتداء ، كما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال الترتيل هو معرفة الوقوف وتجويد الحروف ، وفي أثر ابن عمر - رضي الله عنهما - المشهور : «لَقَدْ لَبِثْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرٍ، وَأَحَدُنَا لِيُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ تَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَأَمْرَهَا وَزَاجِرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا كَمَا يَتَعَلَّمُ أَحَدُكُمُ السُّورَةَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ يَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، مَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ وَلَا حَرَامَهُ، وَلَا أَمْرَهُ وَلَا زَاجِرَهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ وَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ» . (114) ، وهو دليل على إجماع الصحابة على تعلم الوقف والابتداء كما ذكر ابن الجزري وغيره ، قال شيوخنا : القرآن يفسر بعضه بعضًا بالوقف والابتداء ، ولا نعني بهذا أن من خالف الوقف والابتداء الصحيح آثم ، قال الإمام ابن الجزري رحمه الله :
وليس في القرآنِ من وَقْفٍ وَجَبْ ... ولا حَرَامٍ غيرَ مَا لَهُ سَبَبْ
قلت : لكن إن تعمد وقصد معنى مخالفًا للصواب فهو آثم بلا ريب ، والدليل ما صح عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا، فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: ((وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ)) (115) .
(114) (صحيح على شرط مسلم رواه ابن منده في الإيمان والحاكم وغيرهما) . (115) رواه مسلم .
قال الحافظ أبو عمرو الداني : ففي هذا الخبر أذانٌ بكراهية القطع على المستبشع من اللفظ ،
المتعلق بما يبين حقيقته، ويدل على المراد منه، لأنه، عليه السلام، إنما أقام الخطيب لما قطع على ما يقبح إذ جمع بقطعه بين حال من أطاع ومن عصى، ولم يفصل بين ذلك، وإنما كان ينبغي له أن يقطع على قوله ((فقد رشد)) ثم يستأنف ما بعد ذلك، أو يصل كلامه إلى آخره، فيقول: ((ومن يعصهما فقد غوى)) . وإذا كان مثل هذا مكروهاً مستبشعاً في الكلام الجاري بين المخلوقين فهو في كتاب الله، عز وجل، الذي هو كلام رب العالمين، أشد كراهة واستبشاعاً، وأحق وأولى أن يتجنب. (116) .
، فمثلًا الوقف على ((وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا)) (9 القصص) أي قرة عين لزوج فرعون فقط أما لفرعون فلا ، وهذا مخالف لإجماع المفسرين ؛ لأنها أرادت أن يكون موسى عليه السلام قرة عين لها ولفرعون معًا وإلا كيف يرضى أن يربى في بيته وهو كاره ، وقد كان يقتل أبناء بني إسرائيل لأنه أُخْبِرَ بأن هلاكه على يد واحد منهم ، أو الوقف على ((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ)) (4 الماعون) ، أو الوقف على ((كَانُوا قَلِيلًا)) ثم يبتدئ ((مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)) (17 الذاريات) أي لا ينامون ليلا ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أتقانا لله وأخشانا له -كان ينام ويرقد ، ولا يقوم الليل كله كما شهد الله له في آخر سورة المزمل ((إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)) على قراءة الكوفيين والمكي ، وفي قراءة الباقين ((وَنِصْفِهُ وَثُلُثِهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)) عطفًا على المجرور بمن ((ثُلُثَيِ اللَّيْلِ)) ، وخير الهَدْيِ هَدْيُ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فقد قال متواضعًا ((وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ، وَيَنَامُ سُدُسَه )). (117) ، والأمثلة في هذا لا تُحصَر .
وقد شرفني ربي سبحانه وتعالى بأن أكون مأمومًا خلف عدد من الأئمة مشهورين أو مغمورين فلاحظت مع حسن الصوت وجمال التلاوة كثيرًا من الأخطاء ، في أحكام التجويد من مط الحروف
(116) (المكتفى 4) . (117) (رواه البخاري ومسلم) .
وقصر الممدود ومد المقصور وفتح المقلل وتقليل المفتوح وهو لحن خفي ، وقد يمتد بعضها إلى تغيير المعاني برفع المنصوب ونصب المرفوع ، وهو لحن جلي ، وكلاهما (اللحن الجلي والخفي)
حرام على التحقيق ، ولاحظت أن كثيرا من الأئمة يغلبون النغم والمقامات الموسيقية على أحكام التجويد ، وقد أجمع العلماء بما فيهم..
، وقد أجمع العلماء بما فيهم من أجاز القراءة بالمقامات على حرمة تغليب النغمات والمقامات على أحكام التجويد
( راجع رسالة العلامة الشيخ أيمن سويد البيان لحكم قراءة القرآن الكريم بالألحان) .
قال الإمام علم الدين السخاوي رحمه الله في جمال القراء وكمال الإقراء :
ومما ابتدع الناس في قراءة القرآن أصوات الغناء، وهي التي أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها ستكون بعده.
ويقال: إن أول ما غُنَي به من القرآن قوله عزَّ وجلَّ (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ). نقلوا ذلك من تغنيهم بقول الشاعر:
أمَّا القَّطَاة فإني سوف أنْعَتُهَا نَعْتاً. . . يوافق عندي بعض ما فيها
(والقَّطَاة : واحدة القطا ، وهو طائر معروف من أنواع الحمام ، وسميت قطاة ؛ حكايةً لصوتها) ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هؤلاء:
"مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم"قلت (الشرقاوي): وإن كان الحديث ضعيفًا إلا إنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةُ الشُّرَطِ، وَبَيْعُ الْحُكْمِ، واسْتِخْفَافٌ بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَنَشْوٌ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدُهُمْ لِيُغَنِّيَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهُمْ فِقْهًا ". (118) .
قال الإمام السخاوي رحمه الله :
وابتدعوا أيضاً شيئاً سمَّوْه الترعيد، وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد وألم، وقد يخلطه بشيء
من ألحان الغناء.
(118) رواه الطبراني في الكبير (60 – 18/36) ، وأحمد (16040 / 25/427) بلفظ بادروا بالموت وغيرهما . (النَّشْوُ اسمٌ جَمْعِ ، والنَّشوة بالفتح : السُّكْرُ، والنِّشْوَة بالكسر: الخَبَرُ أَوّل مَا يَرِدُ. وَهُوَ مُحَوَّلٌ مِنْ نشأْت ، وَحَكَى قُطْرُبٌ: نَشا يَنْشُو لُغَةٌ فِي نشأَ ينشأُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ عَلَى التَّحْوِيلِ ، وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث : (وَنُشُوءًا ، وَنُشُوءًا يَنْشَؤونَ ، وَنشْئًا يَنْشَؤونَ ، وَنشْوًا يَنْشَؤونَ) فهذا يدل على أنهم قوم نشؤوا في هذا المجال دون دراية أو علم وانتشوا بالمقامات والبدع التي يحدثونها هم ومن يطرب لهم وكأنهم يلتمسون خبرًا جديدا ما سمعوه من قبل .
وآخر سمَّوْه الترقيص، وهو أن يروم السكوت على الساكن، ثم ينفر مع الحركة كأنه في عَدْو، وهرولة.
وآخر يسمى التطريب، وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به، فيمد في غير مواضع، المد، ويزيد في المد على ما ينبغي لأجل التطريب، فيأتي بما لا تجيزه العربية.
ونوع آخر يسمى التحزين، وهو أن يترك طباعه، وعادته في التلاوة، فيأتي بالتلاوة على وجه آخر، كأنه حزين يكاد يبكى، مع خشوع وخضوع، ولا يأخذ الشيوخ بذلك لما فيه من الرياء.
ومن ذلك نوع آخر أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون، فيقرؤون كلهم بصوت واحد، فيقولون في نحو قوله عز وجل: (أفَلاَ تعقلون) (أوَ لا يعلمون) : (أفل يعقلون) (أولَ يعلمون) ، فيحذفون الألف. وكذلك يحذفون الواو، فيقولون: (قالُ آمنا) ، والياء فيقولون: (يومَ الدن) في (يوم الدين) ويمدون ما لا يمد لتستقيم لهم الطريق التي سلكوها، وينبغي أن يسمى التحريف.
وأما قراءتنا التي نأخذ بها فهي القراءة السهلة المرتلة العذبة الألفاظ التي لا تخرج عن طباع العرب، وكلام الفصحاء على وجه من وجوه القراءات السبعة، فنقرئ لكل إمام بما نقل عنه من مدٍّ، أو قصر، أو همز، أو تخفيف همز، أو تشديد، أو تخفيف، أو إمالة، أو فتح، أو إشباع، أو اختلاس. وخلط بعض القراءات ببعض عندنا خطأ.
وعلى الجملة، فمن اجتنب اللحن الجلي، والخفي فقد جود القراءة . (119)
وبالله التوفيق ، والله أعلم .
(119) (جمال القراء 1 / 641 ، 642) . (120) منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص 9 ، 10) . تم نقل السؤالين 31 ، 32 بجوابيهما عن رسالة الإمتاع بفتاوى التلاوة والاستماع لإسماعيل الشرقاوي ، وهي رسالة ملحقة بكتاب المختصر المفيد في علم التجويد . وبالله التوفيق .
ج 32 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فقد قال الله سبحانه : ((وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا )) (4 المزمل) ، وقال عز وجل ((وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)) (32 الفرقان) ، وقال عز وجل (( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)) (18 القيامة) ، كل هذه الآيات أوامر ربانية لوجوب ترتيل القرآن الكريم لم يصرفها نص قرآني آخر أو نبوي للاستحباب ، وبناءً على ذلك وغيره من الأدلة أجمع علماء السلف على وجوب القراءة بأحكام التجويد سواء كانت القراءة سريعة بحدر أم متوسطة بتدوير أم بطيئة بتحقيق ، قال الإمام ابن الجزري رحمه الله :
وَيُقْرَأُ الْقُرآنُ بِالتَّحْقِيقِ مَعْ ... حَدْرٍ وَتَدْوِيرٍ وَكُلٌّ مُتَّبَعْ
مَعْ حُسْنِ صَوْتٍ بِلُحُونِ الْعَرَبِ ... مُرَتَّلاً مُجَوَّدًا بِالْعَرَبِي
وَاْلأَخْذُ بِالتَّجْوِيدِ حَتْمٌ لاَزِمُ ... مَنْ لَمْ يُجَوِّدِ الْقُرَآنَ آثِمُ
لأَنَّهُ بِهِ اْلإلَهُ أَنْزَلاَ ... وَهكَذَا عَنْهُ إِلَيْنَا وَصَلاَ
وَهُوَ إِعْطَاءُ الحُرُوفِ حَقَّهَا ... مِنْ صِفَةٍ لهَاَ وَمُسْتَحَقَّهَا
مُكَمَّلاً مِنْ غَيْرِ مَا تَكَلُّفِ ... بِاللُّطْفِ فِى النُّطْقِ بِلاَ تَعَسُّفِ
ومن جهة أخرى هناك شق آخر لعلم التجويد ، وهو علم الوقف والابتداء ، كما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال الترتيل هو معرفة الوقوف وتجويد الحروف ، وفي أثر ابن عمر - رضي الله عنهما - المشهور : «لَقَدْ لَبِثْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرٍ، وَأَحَدُنَا لِيُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ تَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَأَمْرَهَا وَزَاجِرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا كَمَا يَتَعَلَّمُ أَحَدُكُمُ السُّورَةَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ يَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، مَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ وَلَا حَرَامَهُ، وَلَا أَمْرَهُ وَلَا زَاجِرَهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ وَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ» . (114) ، وهو دليل على إجماع الصحابة على تعلم الوقف والابتداء كما ذكر ابن الجزري وغيره ، قال شيوخنا : القرآن يفسر بعضه بعضًا بالوقف والابتداء ، ولا نعني بهذا أن من خالف الوقف والابتداء الصحيح آثم ، قال الإمام ابن الجزري رحمه الله :
وليس في القرآنِ من وَقْفٍ وَجَبْ ... ولا حَرَامٍ غيرَ مَا لَهُ سَبَبْ
قلت : لكن إن تعمد وقصد معنى مخالفًا للصواب فهو آثم بلا ريب ، والدليل ما صح عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا، فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: ((وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ)) (115) .
(114) (صحيح على شرط مسلم رواه ابن منده في الإيمان والحاكم وغيرهما) . (115) رواه مسلم .
قال الحافظ أبو عمرو الداني : ففي هذا الخبر أذانٌ بكراهية القطع على المستبشع من اللفظ ،
المتعلق بما يبين حقيقته، ويدل على المراد منه، لأنه، عليه السلام، إنما أقام الخطيب لما قطع على ما يقبح إذ جمع بقطعه بين حال من أطاع ومن عصى، ولم يفصل بين ذلك، وإنما كان ينبغي له أن يقطع على قوله ((فقد رشد)) ثم يستأنف ما بعد ذلك، أو يصل كلامه إلى آخره، فيقول: ((ومن يعصهما فقد غوى)) . وإذا كان مثل هذا مكروهاً مستبشعاً في الكلام الجاري بين المخلوقين فهو في كتاب الله، عز وجل، الذي هو كلام رب العالمين، أشد كراهة واستبشاعاً، وأحق وأولى أن يتجنب. (116) .
، فمثلًا الوقف على ((وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا)) (9 القصص) أي قرة عين لزوج فرعون فقط أما لفرعون فلا ، وهذا مخالف لإجماع المفسرين ؛ لأنها أرادت أن يكون موسى عليه السلام قرة عين لها ولفرعون معًا وإلا كيف يرضى أن يربى في بيته وهو كاره ، وقد كان يقتل أبناء بني إسرائيل لأنه أُخْبِرَ بأن هلاكه على يد واحد منهم ، أو الوقف على ((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ)) (4 الماعون) ، أو الوقف على ((كَانُوا قَلِيلًا)) ثم يبتدئ ((مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)) (17 الذاريات) أي لا ينامون ليلا ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أتقانا لله وأخشانا له -كان ينام ويرقد ، ولا يقوم الليل كله كما شهد الله له في آخر سورة المزمل ((إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)) على قراءة الكوفيين والمكي ، وفي قراءة الباقين ((وَنِصْفِهُ وَثُلُثِهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)) عطفًا على المجرور بمن ((ثُلُثَيِ اللَّيْلِ)) ، وخير الهَدْيِ هَدْيُ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فقد قال متواضعًا ((وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ، وَيَنَامُ سُدُسَه )). (117) ، والأمثلة في هذا لا تُحصَر .
وقد شرفني ربي سبحانه وتعالى بأن أكون مأمومًا خلف عدد من الأئمة مشهورين أو مغمورين فلاحظت مع حسن الصوت وجمال التلاوة كثيرًا من الأخطاء ، في أحكام التجويد من مط الحروف
(116) (المكتفى 4) . (117) (رواه البخاري ومسلم) .
وقصر الممدود ومد المقصور وفتح المقلل وتقليل المفتوح وهو لحن خفي ، وقد يمتد بعضها إلى تغيير المعاني برفع المنصوب ونصب المرفوع ، وهو لحن جلي ، وكلاهما (اللحن الجلي والخفي)
حرام على التحقيق ، ولاحظت أن كثيرا من الأئمة يغلبون النغم والمقامات الموسيقية على أحكام التجويد ، وقد أجمع العلماء بما فيهم..
، وقد أجمع العلماء بما فيهم من أجاز القراءة بالمقامات على حرمة تغليب النغمات والمقامات على أحكام التجويد
( راجع رسالة العلامة الشيخ أيمن سويد البيان لحكم قراءة القرآن الكريم بالألحان) .
قال الإمام علم الدين السخاوي رحمه الله في جمال القراء وكمال الإقراء :
ومما ابتدع الناس في قراءة القرآن أصوات الغناء، وهي التي أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها ستكون بعده.
ويقال: إن أول ما غُنَي به من القرآن قوله عزَّ وجلَّ (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ). نقلوا ذلك من تغنيهم بقول الشاعر:
أمَّا القَّطَاة فإني سوف أنْعَتُهَا نَعْتاً. . . يوافق عندي بعض ما فيها
(والقَّطَاة : واحدة القطا ، وهو طائر معروف من أنواع الحمام ، وسميت قطاة ؛ حكايةً لصوتها) ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هؤلاء:
"مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم"قلت (الشرقاوي): وإن كان الحديث ضعيفًا إلا إنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةُ الشُّرَطِ، وَبَيْعُ الْحُكْمِ، واسْتِخْفَافٌ بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَنَشْوٌ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدُهُمْ لِيُغَنِّيَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهُمْ فِقْهًا ". (118) .
قال الإمام السخاوي رحمه الله :
وابتدعوا أيضاً شيئاً سمَّوْه الترعيد، وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد وألم، وقد يخلطه بشيء
من ألحان الغناء.
(118) رواه الطبراني في الكبير (60 – 18/36) ، وأحمد (16040 / 25/427) بلفظ بادروا بالموت وغيرهما . (النَّشْوُ اسمٌ جَمْعِ ، والنَّشوة بالفتح : السُّكْرُ، والنِّشْوَة بالكسر: الخَبَرُ أَوّل مَا يَرِدُ. وَهُوَ مُحَوَّلٌ مِنْ نشأْت ، وَحَكَى قُطْرُبٌ: نَشا يَنْشُو لُغَةٌ فِي نشأَ ينشأُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ عَلَى التَّحْوِيلِ ، وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث : (وَنُشُوءًا ، وَنُشُوءًا يَنْشَؤونَ ، وَنشْئًا يَنْشَؤونَ ، وَنشْوًا يَنْشَؤونَ) فهذا يدل على أنهم قوم نشؤوا في هذا المجال دون دراية أو علم وانتشوا بالمقامات والبدع التي يحدثونها هم ومن يطرب لهم وكأنهم يلتمسون خبرًا جديدا ما سمعوه من قبل .
وآخر سمَّوْه الترقيص، وهو أن يروم السكوت على الساكن، ثم ينفر مع الحركة كأنه في عَدْو، وهرولة.
وآخر يسمى التطريب، وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به، فيمد في غير مواضع، المد، ويزيد في المد على ما ينبغي لأجل التطريب، فيأتي بما لا تجيزه العربية.
ونوع آخر يسمى التحزين، وهو أن يترك طباعه، وعادته في التلاوة، فيأتي بالتلاوة على وجه آخر، كأنه حزين يكاد يبكى، مع خشوع وخضوع، ولا يأخذ الشيوخ بذلك لما فيه من الرياء.
ومن ذلك نوع آخر أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون، فيقرؤون كلهم بصوت واحد، فيقولون في نحو قوله عز وجل: (أفَلاَ تعقلون) (أوَ لا يعلمون) : (أفل يعقلون) (أولَ يعلمون) ، فيحذفون الألف. وكذلك يحذفون الواو، فيقولون: (قالُ آمنا) ، والياء فيقولون: (يومَ الدن) في (يوم الدين) ويمدون ما لا يمد لتستقيم لهم الطريق التي سلكوها، وينبغي أن يسمى التحريف.
وأما قراءتنا التي نأخذ بها فهي القراءة السهلة المرتلة العذبة الألفاظ التي لا تخرج عن طباع العرب، وكلام الفصحاء على وجه من وجوه القراءات السبعة، فنقرئ لكل إمام بما نقل عنه من مدٍّ، أو قصر، أو همز، أو تخفيف همز، أو تشديد، أو تخفيف، أو إمالة، أو فتح، أو إشباع، أو اختلاس. وخلط بعض القراءات ببعض عندنا خطأ.
وعلى الجملة، فمن اجتنب اللحن الجلي، والخفي فقد جود القراءة . (119)
وبالله التوفيق ، والله أعلم .
(119) (جمال القراء 1 / 641 ، 642) . (120) منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص 9 ، 10) . تم نقل السؤالين 31 ، 32 بجوابيهما عن رسالة الإمتاع بفتاوى التلاوة والاستماع لإسماعيل الشرقاوي ، وهي رسالة ملحقة بكتاب المختصر المفيد في علم التجويد . وبالله التوفيق .
ليست هناك تعليقات: