بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة
والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد
...
ففي بلاد الخيرات والمسرات ، رأيت
الناس في دأب ونشاط ، يعملون في أكثر الأوقات ، حتى في أعظم الأيام
"الجمعة" الذي مدحه رب السماوات ، وخصه بأفضل الثناءات ؛ ففيه خُلِقَ آدمُ
أبُو البشر ، وفيه أُدخِلَ الجنةَ ، وفيه مات ، وفيه تستجاب الدعوات وتكشف الكربات
، ويُكْرَمُ من صلى على خير البريات ، بل وفيه تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ،
وتقوم الساعة فتفزع الكائنات ، فخطر ببالي سؤال هام : ألا يستحق ذلك اليوم - وهو
عيد المسلمين (1) - أن يُستَرَاح فيه من أتعاب العمل طوال الأسبوع ؟!
فوجدت الإجابة شافية كافية في القرآن
الكريم ، قال الله - "ومن أصدق من الله قيلا"؟! - ((يا أيها الذين آمنوا
إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن
كنتم تعلمون)) (الجمعة 9) فدل على أنه يوم عمل ، وقد يقول قائل : "يكفي العمل
إلى وقت الصلاة وتكون الراحة بعدها ، فقال الله - تعالى - : ((فإذا قضيت الصلاة
فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله)) (الجمعة 10) إذن هو اليوم كله عمل ، لكن أكمل ؛
لتعرف من العاقل الذكي الفَطِنُ : ((واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)) (الجمعة
10) ، فما كان العمل في يوم الجمعة أسبوعيًا في بلاد المغرب (المغرب والجزائر
وتونس) ضربًا من
الابتداع في الدين بغير علم ، بل هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ،
وعمل أهل المدينة ، وبه أخذ المالكية فكرهوا العطلة فيه تعبدا ؛ خشية التشبه باليهود
والنصاري في تركهم العمل يومي السبت والأحد ، وأباحوه للاستراحة (2) ، وإن كان
الأولى أن تكون الاستراحة السبت ؛ لأن السبت لغة قطع الأعمال والراحة ، قال الله -
تعالى - : ((وجعلنا نومكم سباتًا)) (النبأ 9) مع العلم أن الحكومة المغربية كما رأيت يعطون العاملين في الدولة رسميا عطلة للتهيؤ للصلاة وأدائها ساعة قبل الصلاة وساعة بعدها تقريبًا .
والذي لا أجد له مبررا ألبتة أن
يترك أحد صلاة الجمعة متعللا بالعمل الاختياري أو أن يفرض أصحاب الشركات على
العاملين أن لا يصلوا ، وأقول لهؤلاء : "اتقوا الله في عمالكم وأعطوهم حقهم ؛
فإن الله سيحاسبكم على تقصيرهم في أداء فريضة الجمعة ؛ لأنكم السبب في منعهم الصلاة
، وأقول للعاملين اجتهدوا في استئذان صاحب العمل بأن تتبادلوا الصلاة كل جمعة أو
أن تأخذوا يوم الجمعة عطلة بعد جمعتين عمل على الأقل احترازا من قول النبي - صلى
الله عليه وسلم - كما في الحديث الصحيح : (من ترك ثلاث جمع متواليات من غير عذر طبع الله
على قلبه) (3) .
ومن أغرب ما رأيت ، رأيت رجلا عالمًا يترك جمعتين متتابعتين كل شهر ، لا لمرض أو سفر أو مطر ، وإنما لأنه لا يسكت عن أخطاء الخطباء ، فما أن ينتهي الخطيب في أي مسجد يصلي فيه إلا ويزجره على أخطائه ، فلم يجد لنفسه حلا إلا ودع الجمعة مرتين متتابعتين ، ثم إنه يخشى الوقوع تحت طائلة الحديث فيصلي الثالثة ، قلت : "ونسي المسكين الحديث الآخر "
لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من
الغافلين" . (4)
ولو كان ابن الجوزي - رحمه الله - حيًا لذكره في تلبيس إبليس"!
ومع تتابع الأيام والأسابيع استوقفني
سؤال هام آخر : متى يبدأ الأسبوع ؟
وتذكرت حديث النبي - صلى الله عليه
وسلم : "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ،
ونحن أول من يدخل الجَنَّة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم،
فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا
الله له (قال يوم الجمعة) فاليوم لنا، وغداً لليهود، وبعد غدٍ للنّصارى" . (5)
وفي حديث آخر : "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم
السبت ، وكان للنصارى يوم الأحد.. فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة. فجعل
الجمعة والسبت والأحد. وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا،
والأولون يوم القيامة، المَقْضِيُّ لهم قبل الخلائق". (6)
قال الإمام النووي - رحمه الله - :
وقد فسر العلماء التقديم
بيوم القيامة ، : قال العلماء معناه : الآخرون في الزمان والوجود، السابقون
بالفضل ودخول الجنة، فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم ..
لكن لنا أن نقف مع أحاديث أخرى تجلي
فضل يوم الجمعة على سائر الأيام ، وتوضح ما حدث فيه من أمور فاضلة وما سيحدث فيه
من أمور غائبة ، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة،
وفيه أخرج منها، وفيه تيب عليه، وفيه مات ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة، وما
من دابة إلا هي مطرقة مصيخة من طلوع فجره إلى طلوع شمسه تنتظر الساعة إلا الإنس
والجن" .
(7)
فهل أول يوم خلقه الله
الجمعة أم السبت أم الأحد ؟
اختلف العلماء ؛
"فمنهم من جعله يوم الأحد مستندا إلى أسماء الأيام ، ومنهم من
جعله يوم
السبت مستدلا بقول النبي صلى الله عليه وسلم
: "خلق الله عز وجل
التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال.
.
الحديث " " . (8) (9)
فكان خلق آدم متأخرا عن خلق السماوات والأرض
فكان خلق آدم متأخرا عن خلق السماوات والأرض
وفي هذا إشارة مبهرة إلى أن الله خلق الجمادات والأشياء للإنسان
وهيأها له قبل أن يخلقه ؛ ليبين لنا فضل الإنسان وشرفه ،
وهذه تفيدنا في أمور
حياتنا
أن لا نستضيف شخصًا ذا قيمة أو فضل في مكان إلا بعد تهيئة المكان له ، على كل الأحوال
الذي يعنينا كبشر متى خُلِقَ آدم - عليه الصلاة والسلام - ؟
خُلِقَ يوم الجمعة ، وبهذا
الاعتبار نقول الأسبوع يبدأ يوم الجمعة ، فالحمد لله الذي جعلنا من عباده المؤمنين
وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا ، نسأل الله أن ينفعنا ببركات هذا يوم ، ويكرمنا
بالصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -
فيه ؛ لقوله : "فأكثروا من الصلاة والسلام علي فيه" ، اللهم صل
وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين صلاة تبلغنا بها خيري الدنيا والآخرة
وتصرف عنا بها السوء والبلاء ، والحمد لله رب العالمين . والله أعلم
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما في صحيح البخاري وغيره عن عمر بن الخطاب - رضي
الله عنه - في إجابته على اليهودي : "والجمعة عيد المسلمين"
.
(2) روى أشهب عن مالك في العتبية أن
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون ترك العمل يوم الجمعة على نحو
تعظيم اليهود للسبت والنصارى للأحد . اهـ . ونقل المواق والحطاب والخرشي
والدسوقي في شروحهم لمختصر خليل عن ابن عرفة أنه قال : الرواية كراهة ترك العمل يوم الجمعة كأهل الكتاب، ونقلوا عن
أصبغ أنه قال : من ترك العمل استراحة فلا بأس به , وأما استنانا فلا خير فيه .
وذكر ابن الحاج في المدخل أن العلماء قد كرهوا ترك الشغل يوم الجمعة , وأن يخص يوم
الجمعة بذلك خيفة من التشبه باليهود في السبت , وبالنصارى في الأحد, فيحذر من هذا
كله قال مالك : رحمه الله كان بعض أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم يكرهون أن يترك العمل يوم الجمعة لئلا يصنعوا فيه كما صنعت اليهود
والنصارى في السبت والأحد . قال ابن رشد رحمه الله : وهذا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بمخالفة
أهل الكتاب , وينهى عن التشبه بهم .وقال الحطاب في شرح المختصر عند كلام
خليل على كراهة ترك العمل يوم الجمعة : يكره ترك العمل يوم
الجمعة، يريد إذا تركه تعظيما لليوم كما يفعل أهل الكتاب، وأما ترك العمل
للاستراحة فمباح، قال صاحب الطراز وتركه للاشتغال بأمر الجمعة من دخول حمام وتنظيف
ثياب وسعي إلى مسجد من بعد منزل فحسن يثاب عليه انتهى . للمزيد تابع
الرابط :
(3) صحيح ، رواه الطيالسي وابن ماجه وغيرهما .
(5) رواه مسلم .
(4) رواه مسلم .
(5) رواه مسلم .
(6) رواه مسلم
.
(7) رواه مسلم، وفي رواية للحاكم "سيد الأيام يوم الجمعة" .
(8) رواه مسلم .
(9) نقلا عن
الشبكة الإسلامية بتصرف :
ليست هناك تعليقات: