- مجادلة أهل الكتاب
بالتي هي أحسن (1) .
بسم الله الرحمن الرحيم
سألني أخ نصراني عن إجازة بعض الفقهاء إجبار الصغيرة على الزواج من الولي وإجبارها من قِبَلِ الزوج على الدخول بها ، وأنواع العدة وعلة بعضها ، وهذا ملخص للحوار مع بعض التصحيحات والإضافات ، وأسأل الله أن يهدينا جميعا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
عرض الأخ سؤاله فقال : هل يجوز الزواج بطفلة صغيرة والدخول عليها ثم قال كيف تكون للمرأة عدة بدون جماع ؟ وأنا قرأت في تفسير الجلالين والطبري (شيخ المفسرين) والقرطبي وابن كثير في تفسير الآية : ((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) (الطلاق 4) قال القرطبي : - يَعْنِي الصَّغِيرَةَ- فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وقال الطبري : واللائي لم يحضن هنّ الأبكار التي لم يحضن، فعدتهنّ ثلاثة أشهر.((لم يبلغن المحيض، وقد مُسِسْن، عدتهنّ ثلاثة)) ؛ فكيف يحدث الدخول بطفلة صغيرة لم تبلغ ؟!
قلت : أولا عندنا التفاسير لها أصول وضوابط ؛ فلا تفهم بأسلوب معين أو بفهم مسبق ، لا بد من دراسة أصول التفسير واللغة والعلوم الشرعية لفهم النصوص ، أنت حضرتك من مصر وذهبت لتقابل صديقا معينا في مكان ما ، وخرجت من بيتك غاضبا لمشكلة معينة في البيت أو سبب معين ، ثم مزح معك هذا الصديق وضربك فتعاملت معه بعنف وضربته ، وتحول المزاح إلى جد ، هل حقك أم لا ؟!
قال : إذا كان المزاح سخيفا فلا داعي له ، ممكن يحدث رد فعل أغضب .
قلت : ممكن تقتله لأنه جاء في الوقت غير المناسب ، وأنت خرجت بفهم مسبق .
قال : تمام ، لكن أنا لم أقرأ بفهم مسبق ، فقط أردت أن أفهم الآية (الطلاق 4) كما قرأت في شرح النووي بجواز تزويج الطفلة التي لم تحض بل وإجبارها .
قلت : عندنا شيء طيب جدا ، يقول العلماء ((لا تكن كحاطب ليل)) يعني كرجل يخرج ليلا لجمع الحطب فأي شيء يابس يصطدم بيده يجمعه في جعبته حطب ، خشب ، وربما يجد ثعبانا يابسا وحشرات فيجمعها وهو لا يدري ، وعندما يذهب إلى بيته ويفتح يجد الثعابين والحشرات التي ربما تؤذيه ، فالتفاسير مليئة بالثعالب والعقارب ، لا يمكنك أن تقرأها بمفردك ، ولا يؤخذ العلم من الكتب ، وإنما لا بد من التلقي على الشيوخ ، وعلى كل الأحوال سأوضح تفسير الآية من خلال زاد المسير للإمام ابن الجوزي رحمه الله ، قال :
((قوله عزّ وجلّ: ((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ)) في سبب نزولها قولان: أحدهما: أنها لمّا نزلت عدّة المطلَّقة، والمتوفَّى عنها زوجُها في البقرة ((227- 232)) (زاد المسير 4/ 298 : 299) .
فلنذهب إلى سورة البقرة لنرى الآيات ، قال الله تعالى : ((وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ...(229) )) (أي الطلاق الرجعي طلقتان ، يحل له أن يراجعها إن طلقها الأولى خلال فترة العدة ، وكذلك إن طلقها الثانية يحل له مراجعتها في فترة العدة ، وأما الثالثة فقد قال الله تعالى بعد ذلك : ((فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) (230)
فقال : طيب هناك امرأة ذهبت للرسول وقالت له : طلقتني فلان وتزوجت فلانا ، وليس معه إلا كهدبة الثوب فقال لها لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك .
قلت : نعم الحديث صحيح لكن كيف نفهم الحديث ونفهم النصوص ، النصوص يفسر بعضها بعضًا ، ولا يقتطع كلام من سياقه على طريقة ((فويل للمصلين)) ، ما معنى حتى في الحديث ؟!
هذا هو الحديث في صحيح البخاري :
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفاعَةَ (1) القُرَظِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي، فَأَبَتَّ طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» ، وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )). رواه البخاري (3/168) (2639) ومسلم (1433) (2/1055) .
(1) (امرأة رفاعة) واسمها تميمة بنت وهب. (فأبت) من البت وهو القطع أي قطع طلاقي قطعا كليا والمراد أنه طلقها الطلقة الثالثة التي تحصل بها البينونة الكبرى. (مثل هدبة الثوب) طرفه الذي لم ينسج كنت بهذا عن استرخاء ذكره وأنه لا يقدر على الوطء. (عسيلته) تصغير عسلة وهي كناية عن الجماع فقد شبه لذته بلذة العسل وحلاوته] شرح وتعليق د. مصطفى ديب البغا حفظه الله على صحيح البخاري .
قال : كيف تُقْبَل شهادة المرأة بهذا الأمر بمجرد الكلام ويكون سببا للطلاق ؟! وأنا قرأت النص في البخاري .
قلت : هل تعلم أن البخاري فيه 4000 حديثًا بدون المكرر (2) ، ومع المكرر (7563) ، والروايات الأخرى تفسر الحديث ،
، ومن قال إن شهادتها قبلت ؟! قال صلى الله عليه وسلم :
«لو يُعْطَى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعى واليمين على من أنكر» . حديث حسن، رواه البيهقي في السنن الصغرى (3386) (4/188) وابن حبان (5083) (11/477) ، وغيرهما ، وبعضه في الصحيحين .
(2) قال الإمام النووي رحمه الله في التقريب : ((وَجُمْلَةُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ: سَبْعَةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ حَدِيثًا بِالْمُكَرَّرَةِ وَبِحَذْفِ الْمُكَرَّرَةِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ)) وتعقبه العراقي فقال : هَذَا مُسَلَّمٌ فِي رِوَايَةِ الْفَرَبْرِيِّ، وَأَمَّا رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ شَاكِرٍ فَهِيَ دُونَ رِوَايَةِ الْفَرَبْرِيِّ بِمِائَتَيْ حَدِيثٍ، وَرِوَايَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ دُونَهُمَا بِثَلَاثِمِائَةٍ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا قَالُوهُ تَقْلِيدًا لِلْحَمَوِيِّ، فَإِنَّهُ كَتَبَ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ وَعَدَّ كُلَّ بَابٍ مِنْهُ ثُمَّ جَمَعَ الْجُمْلَةَ، وَقَلَّدَهُ كُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ رَاوِي الْكِتَابِ، وَلَهُ بِهِ الْعِنَايَةُ التَّامَّةُ. قَالَ: وَلَقَدْ عَدَّدْتُهَا وَحَرَّرْتُهَا فَبَلَغَتْ بِالْمُكَرَّرَةِ سِوَى الْمُعَلَّقَاتِ وَالْمُتَابَعَاتِ سِتَّةَ آلَافٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَسَبْعَةً وَتِسْعِينَ حَدِيثًا، وَبِدُونِ الْمُكَرَّرَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا، وَفِيهِ مِنَ التَّعَالِيقِ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَأَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ، وَأَكْثَرُهَا مُخَرَّجٌ فِي أُصُولِ مُتُونِهِ، وَالَّذِي لَمْ يُخَرِّجْهُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ، وَفِيهِ مِنَ الْمُتَابَعَاتِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ. هَكَذَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَنُقِلَ عَنْهُ مَا يُخَالِفُ هَذَا يَسِيرًا. قَالَ: وَهَذَا خَارِجٌ عَنِ الْمَوْقُوفَاتِ وَالْمَقَاطِيعِ. (تدريب الراوي للسيوطي (1 / 109 ، 110) ) ، أما على عد الحافظ ابن حجر فهو بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعين حديثاً. والخالص من ذلك بلا تكرار ألفان وستمائة وحديثان. وإذا أضيف إلى ذلك المتون المعلقة المرفوعة وهي مائة وتسعة وخمسون حديثا فمجموع ذلك (2761) وعدد أحاديثه بالمكرر وبما فيه من التعليقات والمتابعات واختلاف الروايات (9082) وهذا غير ما فيه من الموقوف على الصحابة والتابعين. (فتح الباري 1/ 465 : 469) .
وهذه رواية أخرى تفسر الرواية الأولى :
((عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ القُرَظِيُّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ، فَشَكَتْ إِلَيْهَا وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى المُؤْمِنَاتُ؟ لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا. قَالَ: وَسَمِعَ أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ، إِلَّا أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا، فَقَالَ: كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ، تُرِيدُ رِفَاعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنْ كَانَ ذَلِكِ لَمْ تَحِلِّي لَهُ، أَوْ: لَمْ تَصْلُحِي لَهُ حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ " قَالَ: وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ لَهُ، فَقَالَ: «بَنُوكَ هَؤُلاَءِ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ، فَوَاللَّهِ، لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الغُرَابِ بِالْغُرَابِ» . البخاري (5825) (7/148) .
- في هذه الرواية تصريح بأن الرجل لا يعيبه شيء قال : ((إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ ... وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ لَهُ، فَقَالَ: «بَنُوكَ هَؤُلاَءِ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ، فَوَاللَّهِ، لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الغُرَابِ بِالْغُرَابِ» ، وهذان ابنان له من الزوجة الأولى .< /font>
ونجمل القول هنا أنه لا مستند من الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المحلل ، وذلك للأدلة التالية :
-أولا : ظاهر الحديث أن الزوج الثاني عبد الرحمن بن الزبير القرظي تزوج المرأة بنية التأبيد (زواج رغبة وليس زواج تحليل) وبالتالي لو طلقها لا يكون محللا أبدًا .
- ثانيًا : لم يصدر عن المرأة ما يفيد أنها تنوي التحليل قبل الزواج الثاني ، ومعنى هذا أن كراهية المرأة الاستمرار مع الزوج الثاني ورغبتها في الطلاق ؛ لتعود إلى الزوج الأول (رفاعة) صدرت بعد الزواج الثاني وليس قبله ، ومهما بيتت النية فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقضي بالظاهر والله يتولى السرائر .
- ثالثًا : تأجيل النبي صلى الله عليه وسلم فكرة الطلاق بعد ذوق العسيلة تدل على أنه ربما تعيد المرأة النظر فلا تطلب الطلاق ، ومعلوم عن كثير من النساء التردد وتكرار طلب الطلاق دون حاجة .
- رابعًا : قال العلماء حتى تأتي على أربعة أنواع : حرف جر ، نحو قولك : ((سافرت من مصر حتى الشامِ ، أكلت السمكة حتى ذيلِها)) أي إلى ذيلِها ، وحتى ناصبة للمضارع بعدها بشرط أن يكون دالا على الاستقبال ، نحو : ((سأذهب إلى المدرسة حتى أتعلمَ)) ، وحتى عاطفة نحو : ((استوى الجيشُ حتى المشاةُ)) أي والمشاةُ ، وحتى ابتدائية مهملة غير عاملة ، والمضارع بعدها لا يدل على الاستقبال ، وإنما يدل على المضي نحو : ((حتى يقولُ الرسولُ)) على قراءة الإمام نافع ، وجمع هذه الأنواع بعض العلماء فقال :
تكون حتى حرف جر يا فتى ... وحرف نصب لمضارع أتى
وحرف عطف ثم حرف الابتداء ... أربعة فكن لها مقيدا
كمطلع الفجر وحتى يحكم ... النساء جاءوا كلهم حتى العُمَى
يا عجبا حتى كليبٌ تَسُبُّنِي ... حتى الجياد ما لها من أَرْسُنِ
فحتى هنا (حتى تذوقي عسيلته ...) تفيد انتهاء الغاية بدليل نصب تذوقي بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، وليس معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الطلاق ليحللها للأول ، ولم يقل أبدا بعد علمه بأن الزوج الثاني جامعها : ((طَلِّقْهَا)) وإنما جعل هذا أجلا مؤقتا للنظر في أمرهما بعد الدخول كما في حديث الغامدية التي زنت :
عن عَبْدِ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ، أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَزَنَيْتُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَرَدَّهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ، فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: «أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا، تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا؟» فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، قَالَ، فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى، قَالَ: «إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي» ، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ» ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ . رواه مسلم (1695) (3/1323) .
- خامسًا: وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ صَرِيحًا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَرَادَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا الْحَدِيثَ وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الطَّلَاقِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ قَالَ فَفَارَقَتْهُ بَعْدُ زَادَ بن جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّهُ يَعْنِي زَوْجَهَا الثَّانِيَ مَسَّهَا فَمَنَعَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَصَرَّحَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ مُرْسَلًا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ مَسَّنِي فَقَالَ كَذَبْتِ بِقَوْلِكِ الْأَوَّلِ فَلَنْ أُصَدِّقَكِ فِي الْآخِرِ وَأَنَّهَا أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ فَمَنَعَاهَا وَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الْأَخِيرَةُ فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ الْمَذْكُورَةِ أَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ وَوَقَعَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ زَادَ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ فِيمَا رَوَاهُ بن وَهْبٍ عَنْهُ وَتَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْغَرَائِبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ثَلَاثًا فَنَكَحَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَاعْتُرِضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْحَدِيثَ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا أَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالَ لَا الْحَدِيثَ . (فتح الباري لابن حجر 9 / 468 ، 469) .
- سادسًا : لا عبرة بشذوذ من خالف من العلماء :
قال ابن بَطَّال : ((واختلفوا فى عقد نكاح المحلل، فقال مالك: لا يحلها إلا نكاح رغبة، وإن قصد التحليل لم يحلها، وسواء علم ذلك الزوجان أو لم يعلما لا تحل ويفسخ قبل الدخول وبعده، وهذا قول الليث، والثورى، والأوزاعى، وأحمد. وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعى: النكاح جائز، وله أن يقيم على نكاحه، وهو قول عطاء والحكم.
وقال القاسم، وسالم، وعروة، والشعبى: لا بأس أن يتزوجها ليحللها إذا لم يعلم بذلك الزوجان، وهو مأجور بذلك، وهو قول ربيعة، ويحيى بن سعيد. والحجة لمالك أن النبى (صلى الله عليه وسلم) لعن الْمُحَلِّلَ والْمُحَلَّلَ له من حديث على، وابن مسعود، وعقبة ابن عامر، وفى حديث عقبة: (ألا أدلكم على التيس المستعار) ، وهو المحلل ولا فائدة للعنة إلا إفساد النكاح والتحذير منه، وقد سئل ابن عمر عن نكاح المحلل، فقال: ذلك السفاح.)) (شرح ابن بطال 7 / 480 ، 481) .
وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُجَامَعَةِ وَهُوَ تَغْيِيبُ حَشَفَةِ الرَّجُلِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَزَادَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حُصُولُ الْإِنْزَالِ وَهَذَا الشَّرْطُ انْفَرَدَ بِهِ عَن الْجَمَاعَة قَالَه بن الْمُنْذر وَآخَرُونَ وَقَالَ بن بَطَّالٍ شَذَّ الْحَسَنُ فِي هَذَا وَخَالَفَهُ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَيُحْصِنُ الشَّخْصَ وَيُوجِبُ كَمَالَ الصَّدَاقِ وَيُفْسِدُ الْحَجَّ وَالصَّوْمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعُسَيْلَةُ لَذَّةُ الْجِمَاعِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ تَسْتَلِذُّهُ عَسَلًا وَهُوَ فِي التَّشْدِيدِ يُقَابِلُ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الرُّخْصَةِ ... قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْجِمَاعِ لِتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنْهُ قَالَ يَقُولُ النَّاسُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعَهَا الثَّانِي وَأَنَا أَقُولُ إِذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِحْلَالَهَا لِلْأَوَّلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ وَهَكَذَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنِ اسْتَبْعَدَ صِحَّتَهُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهِ إِلَّا طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثَ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ قُلْتُ سِيَاقُ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ )) . (فتح الباري لابن حجر بتصرف 9 / 466 ، 467) .
قال : إذن المحلل حرام ، وكل ما نراه في التلفزيون ليس صحيحا ، وكل الشيوخ الذين يفعلون هذا حرام؟
قلت : نعم زواج المحلل باطل ، قال صلى الله عليه وسلم : «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . صحيح رواه أبو داود (2076) (2/227) ، وابن ماجه (1936) (1/623) وغيرهما ورواية ابن ماجه بإسناد حسن عن عُقْبَةِ بْنُ عَامِرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ» ، قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» .
ونكاح المحلل على صورتين كما ذكر العلماء :
الأُولى: وفيها يُشترط في العقْد أن يتزوَّجها بنيَّة التَّحليل، وهذا الزَّواج باطل باتفاق العلماء، وصاحبُه ملعون
وعن نافعٍ عن ابن عُمَر: أنَّ رجُلاً قال له: أتزوَّجها أحلُّها لزوْجِها، لم يأمرني، ولم يعلم؟ قال: "لا، إلاَّ نكاح رغبةٍ، إن أعجبتْك أمسكتَها، وإن كرهتَها فارقْتَها، قال: كنَّا نعدُّه على عهد رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم سفاحًا، وقال: لا يزالان زانِيَين، وإن مكثا عشرينَ سنة" (رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم، والبيهقي).
وهو قول عثمان رضِي الله عنْه، وروي عن ابن عبَّاس.
وذكر ابن تيمية وغيره من العلماء أنه لا يحلُّ للمطلِّق ثلاثًا أن يتزوَّجها حتَّى ينكِحَها رجلٌ، مرتغبًا لنفسِه، نكاح رغبةٍ لا نِكاح دُلسة، ويدخُل بها بحيث تذوق عسيلتَه ويذوق عسيلتَها، ثمَّ بعد هذا، إذا حدثَ بينهما فرقة، بِموتٍ أو طلاقٍ أو فسْخٍ، جاز للأوَّل أن يتزوَّجها... قال سَعيدُ بن المُسَيّب في رَجُلٍ تَزَوَّجَ امرَأةً لِيُحِلَّها لِزَوْجِها الأوَّل، ولَم يَشعُرْ بِذَلكَ زَوجُها الأوَّلُ ولا المَرْأةُ، قَالَ: "إنْ كانَ إنَّما نَكَحَها لِيُحِلَّها، فَلا يَصْلُحُ ذَلِك لهُما، ولا تَحِلُّ".
وقالَ إبْراهِيمُ النَّخَعيُّ: "إذا هَمَّ الزَّوْجُ الأوَّلُ، أو المَرْأةُ، أو الزَّوْجُ الأخِيرُ، بالتَّحْليلِ - فالنِّكاحُ فاسِدٌ" . (رَواهُما حَرْبٌ الكَرْمانِيُّ).
وعَن سَعيدِ بْنِ المُسَيّب، قالَ: "أمَّا النَّاسُ فَيَقولونَ حتَّى يُجامِعَها، وأمَّا أنا فإنِّي أنا أقُولُ: إذا تَزَوَّجَها تَزْويجًا صَحيحًا، لا يُريدُ بِذَلِكَ إحْلالاً لها، فَلا بَأسَ أنْ يَتَزَوَّجها الأوَّلُ" (رَواهُ سَعيدُ بْنُ مَنْصورٍ).
وقالَ أبُو الشَّعْثاءِ جابِرُ بْنُ زَيْدٍ، في رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأةً لِيُحِلَّها لِزَوْجِها وَهُوَ لا يَعْلَمُ، قَالَ: "لا يَصْلُحُ ذَلِكَ إذا كانَ تَزَوَّجَها لِيُحِلَّها".
وعَن الحَسَنِ وإبْراهِيمَ النَّخَعيِّ، قالا: "إذا هَمَّ أحَدُ الثَّلاثةِ بالتَّحْلِيلِ، فقَد فسَدَ العَقْدُ" (رَوَاهُما سَعيدٌ).
وعلى هَذا؛ فَلَيْسَ عَنْ أحَدٍ مِن التَّابِعينَ رُخْصَةٌ في نِكاحِ المُحَلِّلِ، إذا عَلِمَت بِه المَرْأةُ والزَّوجُ المُطَلِّقُ، فضْلاً عَن اشْتِرَاطِه، والمَشْهورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعيِّ: أنَّ هَذا الشَّرْطَ المُتَقَدِّمَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وكَذَلكَ ذَكَرَهُ القاضي في "المُجَرَّدِ": أنَّ ذَلِكَ عِنْدَنا كَنِيَّةِ التَّحْليلِ مِنْ غَيرِ شَرْطٍ، وخَرَّجَ فِيهِما وَجْهَيْن، وأمَّا إذا شَرَطَ التَّحْليلَ في العَقْدِ، فَهُو باطِلٌ". اهـ. مختصرًا.
قال ابن قُدامة في "المغني": "فإن شرط عليْه التَّحليل قبل العقْد، ولم يذكرْه في العقْد، ونواه في العقد، أو نَوى التَّحليل من غير شرْط - فالنِّكاح باطل أيضًا". اهـ.
أمَّا الصُّورة الثَّانية، فيقع بدون شرْط؛ ولكن يقع بنيَّة، والنِّيَّة قد تكون من الزَّوج، وقد تكون مِن الزَّوجة، فإذا كانت من الزَّوج، فلا يكونُ النِّكاح صحيحًا.
وأمَّا إن كانت النيَّة من المرْأة أو أوليائِها، فهذا محلُّ خِلاف بين العُلماء، فذهب أحمد إلى أن نيَّة المرأة ليست بشيء، والراجح قول الجهور أنه مثل القسم الأول في المنع. (3)
(3) (نقلا عن أ/خالد الرفاعي باختصار ، وراجع الرابط : http://ar.islamway.net/fatwa/39879 )
والفتوى : http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?pa ge=showfatwa&Option=FatwaId&Id=38431
أثناء الحديث كان الأخ يدخل من شارع إلى حارة ويعترض على كثير من النصوص ولا غرو ؛ فإنه على دين غير الإسلام ، وهذا أمر طبيعي من أشخاص يحاولون الطعن في الإسلام ،
ومنه قوله : إن رسول الإسلام تزوج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة السن ، وعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ،
قلت : نعم ، ثبت في الحديث :
عَنْ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» . رواه البخاري (5134) (7/17) ، ومسلم (1422) (2/1039) .
ومعلوم أن بلوغ البنات في الأماكن الحارّة أسرع من الأماكن الباردة .
قال : ليس مقياسًا ، وإلا ففي السعودية مثلا البنت تبلغ تسع سنين ، وفي الأماكن الاستوائية تبلغ عند ثلاث سنين .
قلت : لا ، وإنما نسبيًا البلوغ في الأماكن الحارة أسرع ، وأنا شخصيا كنت أدرس بالأزهر الشريف لبنات من الصومال ، وكنت أرى البنت في الصف الرابع أو السادس الابتدائي ما شاء الله مثل الباب .
مثال زواج فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَاطِمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا صَغِيرَةٌ» فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ . صحيح رواه النسائي في المجتبى (3221) (6/62) ، وابن حبان (6948) (15/399) وغيرهما .
قال القاري : يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَةً عِنْدَ خِطْبَتِهَا، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ حِينَ كَبِرَتْ وَدَخَلَتْ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ خَطَبَهَا عَلِيٌّ، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا لِكِبَرِ سِنِّهِمَا وَزَوَّجَهَا مِنْ عَلِيٍّ لِمُنَاسَبَةِ سِنِّهِ لَهَا، أَوْ لِوَحْيٍ نَزَلَ بِتَزْوِيجِهَا لَهُ . اهـ.
(مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6104) (3944/9)) .
وسن فاطمة رضي الله عنها حين تزوجت، كما قال ابن عبد البر: كَانَ سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفًا، وكانت سن عليّ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر. اهـ. (الاستيعاب 1893/4) .
وبذلك قال أكثر المؤرخين كالْمِزِّي وابن كثير وابن الأثير واليافعي وابن العماد والعصامي.
وقال الذهبي : دَخَلَ بِهَا عَلِيٌّ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَقَدِ اسْتَكْمَلَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ. (تاريخ الإسلام 3/43) اهـ.
وقال المناوي : لما شبت فاطمة وترعرعت، وبلغت من العمر خمس عشرة سنة، وقيل: ست عشرة سنة وقيل: ثماني عشرة سنة وقيل أحدى وعشرين، تزوجها علي وعمره نحو إحدى وعشرين سنة وقيل: غير ذلك في رمضان من السنة الثانية من الهجرة. (إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل ص 33) اهـ.
يتبع .......
وأما زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة في سن ست سنوات ودخوله عليه وهي بنت تسع سنين فإن زواجه منها وقع بوحي إلهي ؛ ففي الحديث : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا: " أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ " . رواه البخاري (3895) (5/56) ، ومسلم (2438) (4/1889) .
ولتوثيق الصلات مع أفضل أصحابه أبي بكر الصديق رضي الله عنه ،
قال : كيف فاطمة تتزوج وهي بنت خمس عشرة سنة ، وعائشة تزوجت وهي بنت تسع سنين ؟!
قلت : عادة النساء تختلف وتتنوع في كل بلد ، فمثلا في مصر من النساء من تبلغ وهي بنت سنين ، وبعضهن تبلغ وهي بنت اثنتي عشرة سنة ، وهناك غير ذلك ، ومدة الدورة أيضا تختلف ؛ فمنهن من تستمر دورتها خمسة أيام ، ومنهن ستة أيام ، ومنهن سبعة أيام ... إلخ ، وكذلك الناس يختلفون في الطول والقصر ولون البشر في المصر الواحد ، ثم إنه ليس قولًا واحدًا أنه لا دخول إلا ببلوغ ، بل يراعى عند كثير من الفقهاء أن تكون البنت مطيقة للجماع وألا يترتب على هذا الدخول ضرر : ودخول النبي صلى الله عليه وسلم بأمنا عائشة كان بعد بلوغها هذا المبلغ، ولذلك تأخر بعد العقد عليها بنحو ثلاث سنوات، كما في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم "تزوجها وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين.
ومما يؤكد مراعاة هذا المعنى قبل زفاف عائشة، أنها قالت: " أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ تُسَمِّنَنِي لِدُخُولِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَمْ أَقْبَلْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُرِيدُ حَتَّى أَطْعَمَتْنِي الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ، فَسَمِنْتُ عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ السَّمْنِ ". صحيح رواه أبو داود (3903) (4/15) وابن ماجه (3324) (2/1104) وغيرهما. (4)
(4) (القثاء) قيل هو الخيار وقيل نوع خاص يشبهه (الرطب) ثمر النخل إذا أدرك ونضج قبل أن يصير تمرا. أفاده باختصار د.مصطفى البغا.
وراجع الفتوى : http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?pa ge=showfatwa&Option=FatwaId&Id=195133
ثم إن كل زيجات النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن لشهوة ، تزوج خديجة رضي الله عنها وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وهي بنت أربعين سنة وكانت ثيبا سبق لها الزواج ورزقها الله منها بالأولاد والبنات : القاسم وعبد الله (الطيب أو الطاهر) وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة .
وعندما ماتت في العام العاشر من البعثة (3 قبل الهجرة) وهو ما يسمى بعام الحزن ، تزوج بعدها السيدة سَوْدَة بنت زَمْعَة وكانت أيضا تكبره بخمس عشرة سنة ؛ لترعى أولاده.
هنا اعترض الأخ ، وقال : وهل كان للرسول أولاد ؟
قلت : نعم ، ولكنهم ماتوا صغارا ، وكان له بنات هن : زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة .
قال : هؤلاء بناته ؟!
قلت : نعم راجع معلوماتك ، وأنا الآن لست مطالبًا بأن أثبت لك أمورًا معلومة في كل كتب السيرة .
قال : ما معنى إن شانئك هو الأبتر .
قلت : يعني إن مبغضك وكارهك هو مقطوع النسب أي لا عَقِبَ له ،
قيل نزلت في العاص بن وائل ، وقيل أبو جهل، وقيل أبو لهب، وقيل عقبة بن أبي معيط ، وقيل جماعة من قريش . (زاد المسير 4/498) .
وفعلا من طعن في النبي صلى الله عليه وسلم قطع الله نسله ونسبه ، وبقي نسب النبي صلى الله عليه وسلم ، أنا الآن أحدثك ونسبي يمتد إلى فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو القائل صلى الله عليه وسلم : «كُلُّ نَسَبٍ وَسَبَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا نَسَبِي وَسَبِبِي» . حسن رواه سعيد بن منصور في السنن (520) (1/172) ، والبزار (274) (1/397) وغيرهما .
ثم قلت : وبعد زواج السيدة سودة بنت زمعة تزوج السيدة عائشة رضي الله عنها في المدينة المنورة في أول عام من الهجرة ، وأحيلك إلى كتاب الأستاذ نبيل لوقا بباوي (5) ، وهو مفكر نصراني مصري كتب كتابًا في زيجات الرسول صلى الله عليه وسلم وأثبت أن كل هذه الزيجات لم تكن لشهوة :
(5) لتحميل الكتاب : http://www.a2.ebnmaryam.com/Files/Books/wive s.zip
نعود إلى الآية (الطلاق 4) وسبب نزولها ، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله :
(( قال أُبَيُّ بن كعب: يا رسول الله: إن نساء من أهل المدينة يقلن: قد بقي من النساء ما لم يذكر فيه شيء. قال: «وما هو؟» قال: الصغار والكبار، وذوات الحمل، فنزلت هذه الآية، قاله عمرو بن سالم.
(1461) والثاني: لمّا نزل قوله عزّ وجلّ: ((وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) الآية «2» قال خلاَّد بن النعمان الأنصاري: يا رسول الله، فما عِدَّة التي لا تحيض، وعدَّة التي لم تحض، وعدة الحُبلى؟ فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. ومعنى الآية: إِنِ ارْتَبْتُمْ، أي: شككتم فلم تَدْرُوا ما عِدتَّهن فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ كذلك.
إلى إن قال قوله عزّ وجلّ: ((وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) يعني: عدتهن ثلاثة أشهر أيضاً، لأنه كلام لا يستقلُّ بنفسه، فلا بدَّ له من ضمير، وضميره تقدَّم ذكره مظهراً، وهو العدَّة بالشهور. وهذا على قول أصحابنا محمول على من لم يأت عليها زمان الحيض: أنها تعتد ثلاثة أشهر. فأما من أتى عليها زمان الحيض، ولم تحض، فإنها تعتدّ سنة)) . (زاد المسير 4/ 298 : 300) .
قال : معي آية في سورة الأحزاب أنه لا عدة بغير دخول ، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)) (الأحزاب 49) .
قلت : نعم لكن ليس الكلام على إطلاقه ، هناك تفصيل .
قوله تعالى: ((إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ)) قال الزجاج: معنى «نَكَحْتُم» تزوَّجتم (6) . ومعنى «تَمَسَّوهُنَّ» تَقْربوهن. وقرأ حمزة، والكسائي: «تُمَاسُّوهُنَّ» بألف. قوله تعالى: فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها أجمع العلماء أنه إِذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة فلا عِدَّة (7) (8) وعندنا (أي الحنابلة) أن الخلوة توجب العِدَّة وتقرّر الصّداق، خلافا للشّافعيّ رضي الله عنه.
وفي الرابطين تفصيل لتوضيح معنى الدخول : (الخلوة التي يحتمل معها الجماع ، حتى وإن لم يتم الجماع) ، وعدة اللائي لم يحضن (9) :
(6) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 3/ 611: هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة، منها: إطلاق النكاح على العقد وحده، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها.وقوله الْمُؤْمِناتِ خرج مخرج الغالب، إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق.(7) قال ابن كثير رحمه الله (3/ 612) : وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء إذا طلّقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت، ولا يستثنى من هذا إلا المتوفّى عنها زوجها فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشرا وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضا.وقال الإمام الموفق في «المغني» 9/ 533: فأما الخلوة بالمرأة، فالصحيح أنها لا تنشر حرمة. وقد روي عن أحمد: إذا خلا بالمرأة، وجب الصّداق والعدة، ولا يحل له أن يتزوج أمها أو ابنتها. قال القاضي: هذا محمول على أنه حصل مع الخلوة الجماع، فيخرّج كلامه بقوله: لا يحرّمه شيء من ذلك إلا الجماع. وفي رواية عن أحمد. فأما تحريم أمها فبمجرد العقد، وأما تحريم ابنتها فبالدخول وقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فأما مع خلّوه من ذلك، فلا يؤثر في تحريم الربيبة لما في ذلك من مخالفة قوله تعالى. وأما الخلوة بأجنبية. فلا تنشر تحريما. لا نعلم في ذلك خلافا.وجاء في «المغني» 11/ 197: العدة تجب على كل من خلا بها زوجها، وإن لم يمسها. وإن خلا بها ولم يصبها ثم طلّقها، فإن مذهب أحمد وجوب العدة عليها. وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وزيد، وابن عمر وأصحاب الرأي والشافعي في القديم. وقال الشافعي في الجديد: لا عدّة عليها، لهذه الآية وهذا نص. ولأنها مطلقة لم تمس، فأشبهت من لم يخل بها. ولنا، إجماع الصحابة. فإنه من أرخى سترا أو أغلق بابا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة. وهذه قضايا اشتهرت ولم تنكر فصارت إجماعا. وقد روي عن أحمد، أن الصداق لا يكمل مع وجود المانع، فكذلك يخرج في العدة. لأن الخلوة إنما أقيمت مقام المسيس، لأنها مظنة له، ومع المانع لا تتحقق المظنة. ولأن العدة تجب لبراءة الرحم. وأجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر، مدخولا بها أو غير مدخول بها، سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ.(زاد المسير بتحقيق أ/عبد الرزاق المهدي باختصار) (3/ 472 ، 473) .
(8) وأما أنواع العدة ففي الرابط : http://www.kalemasawaa.com/vb/showthread.php ?t=1190
(9) http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?pa ge=showfatwa&Option=FatwaId&Id=192391
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?pa ge=showfatwa&Option=FatwaId&Id=167863
والهدف من كل هذا بيان الجواز أو الإباحة ، وليس الوجوب ، والأحكام الشرعية في الإسلام خمسة :
واجب : يلزم أداؤه ، ويثاب فاعله امتثالا ويعاقب تاركه ،
ومستحب : يسن أداؤه ، ويثاب فاعله امتثالا ولا يعاقب تاركه ، وقال بعض فقهاء الحنفية يعاتب عليه يوم القيامة حتى يتساقط لحم وجهه خجلا من الله .
وحرام : يجب تركه ، ويعاقب فاعله ويثاب تاركه امتثالا ،
ومكروه : يستحب تركه ، ويثاب تاركه امتثالا ولا يعاقب فاعله ،
ومباح : لا ثواب ولا عقاب إلا بالنية الصالحة ، فالنية الصالحة تحول العادة إلى عبادة ، وعبادة أهل الغفلة عادة ، وعادة أهل اليقظة عبادة ، كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : ((أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي)) . رواه البخاري (4341) (5/161) ، ومسلم (1823) (3/ 1456) . أي ينام بنية التَّقَوِّي على الطاعة .
قال العلماء أي عمل يقوم به المسلم فهو داخل في هذه الأحكام الشرعية الخمسة ومن قال بأن هناك عملا ليس له حكم من هذه الخمسة فقد اتهم الله بالعبث ، ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)) (المؤمنون 155) .
مثال للمباح : شخص يحب أن يأكل الدجاج ، وآخر يحب أن يأكل السمك ، وهذا يحب أن يأكل بخلاف هذا هل معنى محبة شخص لطعام دون الآخر أنه واجب ، في الحديث : ((رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيَّ)) . رواه البخاري (5391) (7/71) ، ومسلم (1945) (3/1543) .
والقاعدة الفقهية تقول لا ضرر ولا ضرار (وهو حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه (2340) (2/784) ومالك (2758) (4/1078) وغيرهما) أي لا تضر نفسك ولا تؤذي غيرك ؛ فإذا ترتب على هذا الزواج ضرر فهو حرام بإجماع الفقهاء ، والله أعلم .
كل هذا لأن الإسلام دين لكل زمان ومكان ؛ فهو يحكم بمشروعية أو حرمة أي عمل .
قال : فما الحكمة من أن تكون عدة امرأة لم يجامعها رجل ثلاثة أشهر ؟ (يقصد اللائي لم يحضن واختلى بها زوجها ولم يجامعها ثم طلقها)
قلت : الحكمة عندنا تعبدية (وهذا مشهور في كثير من الأحكام عند فقهاء المالكية والشافعية) ، ومقتضى هذه الحكمة أن يقول الرب أمرت ونهيت وأن يقول العبد سمعت وأطعت .
قال : بأي عقل وأي منطق ؟!
قلت : نفترض أن عندك شركة وأنت مديرها ، ثم كلفت خادما فيها أن يشتري لك زجاجدة مياه معدنية وزجاجة عصير باردة وزجاجة بنزين ، ماذا لو قال لك الخادم لماذا ؟! ماذا ستفعل معه ؟! ربما تعاقبه وتطرده ؛ لأنه تدخل فيما لا يعنيه .
الله سبحانه وتعالى خالق ، وهو عليم بخلقه : (( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (الملك 14) ، وامتحنهم بهذه الأمور ، فإن أطاعوا ونفذوها أثابهم ، وإن خالفوا ورفضوها عاقبهم ، ((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) (الأنبياء 23) ، قد يطلعنا على بعض الحكم التعليلية لبعض الأمور والنواهي ، ويخفي عنا الكثير من الحكم ، متى يعرفها الإنسان ؟
يوم القيامة .
مثال الخضر عليه السلام مع موسى عليه السلام :
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)
ثم فسر له الحكم من هذه الأمور فقال :
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
مثال آخر : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . رواه مسلم (279) (1/234) .
الآن تكنولوجيا التنظيف تبهر العقول ؛ يعني من الممكن أن يضع الإنسان مسحوقا معينا على الإناء فينظفه مرة واحدة ، هل هذا يجزئ ؟
قال جميع الفقهاء : لا ، لماذا؟! لأن الحكمة تعبدية ، فضلا عن أنهم اكتشفوا اليوم أن بالتراب مادةً تزيل البكتريا والجراثيم الموجودة في لُعَاب الكلب .
مثال آخر للعدة : امرأة سافر عنها زوجها لمدة سنة أو سنتين أو أكثر ولم يلمسها منذ فترة بعيدة ثم مات ، ما عدتها ؟ قال الفقهاء عدتها أربعة أشهر وعشرًا ، لماذا ؟! هل الرحم يحتاج إلى إبراء بعد كل هذه الفترة ، وهو أصلا لم يلمسها منذ سنة أو سنتين أو أكثر ؟!
بعض العلماء يعللون عدة المتوفَى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ؛ لأن مدة اكتمال الخلق مائة وعشرون يوما ، كما في الحديث : " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ..." . صحيح رواه البخاري (3208) (4/111) ، ومسلم واللفظ له (2643) (4/2036) وهذا ما أثبته العلم الحديث ، ووالد عالم الأجنة كيث مور .
قال معترضًا : لا داعي لهذا الموضوع لأن عندي ...
قلت : دعني أكمل ثم نتناقش فيما عندك ، فقال بعض السلف علة عدة المتوفى عنها زوجها 120 يومًا لضمان عدم وجود ما يؤدي لخلق ولد و10 أيام احتياطًا ، وهذا أيضا ليس صحيحًا لما تقدم ، وإنما الحكمة تعبدية .
قال : للحزن .
قلت : لا بدليل أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها ؛ إن مات الرجل وامرأته حامل ، ثم ولدت بعد وفاته بأسبوع حلت وتزينت للخطاب كما في حديث سُبَيْعَةَ الأسلمية رضي الله عنها الذي رواه البخاري (3991) (5/80) ، ومسلم (1484) (2/1122) .
مثال آخر للعدة :
رجل في أوروبا تزوج امرأة من مصر بالوكالة ولم يلتق بها مرة واحدة ، ثم مات هناك ما عدتها ؟
قال الفقهاء : عدتها أربعة أشهر وعشرا وترث المرأة زوجها المتوفَى .
نخلص من هذا أن الحكمة تعبدية ، قال الله تعالى : ((إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (النور 51) .
((وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) (البقرة 285) .
قال : يعني الإنسان يسمع ويطيع ولا يسأل ؟!
قلت : نعم إن كان مؤمنا بالله ، السؤال يكون من البداية ، ولم يجبره أحد على الإسلام ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) (البقرة 256) .
قاطعني قائلا : لا داعي للا إكراه في الدين لأن عندي فيها كلاما ،
قلت : دعني أكمل وسنعود لنتناقش في كل هذه الأمور ، فإذا اعتقد في الإسلام وآمن بالله لا يصح أن يعترض على شيء لأنه مؤمن بأن الله يعرف مصلحته ، وهذا هو الفرق بيننا وبينكم ، نحن نقول سمعنا وأطعنا وأنتم تقولون سمعنا وعصينا .
أضرب لك مثالا : عندك شيء تريد أن تنقله إلى مكان ، وقلت لعامل انقل لي هذا ، فقال لك : لا أستطيع صعب ، وكنت تنوي أن تعطيه عشر جنيهات ، فجئت بشخص آخر ، فقال : الله يسهل ، بسم الله ، وبدأ يحمل الشيء هل ستساعده ؟
قال : نعم طبعًا ، قلت : وربما بعد أن تنقل الشيء تعطيه أكثر من عشر جنيهات ، عشرين أو أكثر .
قال : نعم ، قلت كذلك ، انظر لهذا الحديث :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] ، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ ، وفي رواية قال ((قَدْ فَعَلْتُ)) " {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ " وفي رواية قال ((قَدْ فَعَلْتُ)) {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ " وفي رواية قال ((قَدْ فَعَلْتُ)) {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ " وفي رواية قال ((قَدْ فَعَلْتُ)) . والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
بسم الله الرحمن الرحيم
سألني أخ نصراني عن إجازة بعض الفقهاء إجبار الصغيرة على الزواج من الولي وإجبارها من قِبَلِ الزوج على الدخول بها ، وأنواع العدة وعلة بعضها ، وهذا ملخص للحوار مع بعض التصحيحات والإضافات ، وأسأل الله أن يهدينا جميعا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
عرض الأخ سؤاله فقال : هل يجوز الزواج بطفلة صغيرة والدخول عليها ثم قال كيف تكون للمرأة عدة بدون جماع ؟ وأنا قرأت في تفسير الجلالين والطبري (شيخ المفسرين) والقرطبي وابن كثير في تفسير الآية : ((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) (الطلاق 4) قال القرطبي : - يَعْنِي الصَّغِيرَةَ- فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وقال الطبري : واللائي لم يحضن هنّ الأبكار التي لم يحضن، فعدتهنّ ثلاثة أشهر.((لم يبلغن المحيض، وقد مُسِسْن، عدتهنّ ثلاثة)) ؛ فكيف يحدث الدخول بطفلة صغيرة لم تبلغ ؟!
قلت : أولا عندنا التفاسير لها أصول وضوابط ؛ فلا تفهم بأسلوب معين أو بفهم مسبق ، لا بد من دراسة أصول التفسير واللغة والعلوم الشرعية لفهم النصوص ، أنت حضرتك من مصر وذهبت لتقابل صديقا معينا في مكان ما ، وخرجت من بيتك غاضبا لمشكلة معينة في البيت أو سبب معين ، ثم مزح معك هذا الصديق وضربك فتعاملت معه بعنف وضربته ، وتحول المزاح إلى جد ، هل حقك أم لا ؟!
قال : إذا كان المزاح سخيفا فلا داعي له ، ممكن يحدث رد فعل أغضب .
قلت : ممكن تقتله لأنه جاء في الوقت غير المناسب ، وأنت خرجت بفهم مسبق .
قال : تمام ، لكن أنا لم أقرأ بفهم مسبق ، فقط أردت أن أفهم الآية (الطلاق 4) كما قرأت في شرح النووي بجواز تزويج الطفلة التي لم تحض بل وإجبارها .
قلت : عندنا شيء طيب جدا ، يقول العلماء ((لا تكن كحاطب ليل)) يعني كرجل يخرج ليلا لجمع الحطب فأي شيء يابس يصطدم بيده يجمعه في جعبته حطب ، خشب ، وربما يجد ثعبانا يابسا وحشرات فيجمعها وهو لا يدري ، وعندما يذهب إلى بيته ويفتح يجد الثعابين والحشرات التي ربما تؤذيه ، فالتفاسير مليئة بالثعالب والعقارب ، لا يمكنك أن تقرأها بمفردك ، ولا يؤخذ العلم من الكتب ، وإنما لا بد من التلقي على الشيوخ ، وعلى كل الأحوال سأوضح تفسير الآية من خلال زاد المسير للإمام ابن الجوزي رحمه الله ، قال :
((قوله عزّ وجلّ: ((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ)) في سبب نزولها قولان: أحدهما: أنها لمّا نزلت عدّة المطلَّقة، والمتوفَّى عنها زوجُها في البقرة ((227- 232)) (زاد المسير 4/ 298 : 299) .
فلنذهب إلى سورة البقرة لنرى الآيات ، قال الله تعالى : ((وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ...(229) )) (أي الطلاق الرجعي طلقتان ، يحل له أن يراجعها إن طلقها الأولى خلال فترة العدة ، وكذلك إن طلقها الثانية يحل له مراجعتها في فترة العدة ، وأما الثالثة فقد قال الله تعالى بعد ذلك : ((فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) (230)
فقال : طيب هناك امرأة ذهبت للرسول وقالت له : طلقتني فلان وتزوجت فلانا ، وليس معه إلا كهدبة الثوب فقال لها لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك .
قلت : نعم الحديث صحيح لكن كيف نفهم الحديث ونفهم النصوص ، النصوص يفسر بعضها بعضًا ، ولا يقتطع كلام من سياقه على طريقة ((فويل للمصلين)) ، ما معنى حتى في الحديث ؟!
هذا هو الحديث في صحيح البخاري :
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفاعَةَ (1) القُرَظِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي، فَأَبَتَّ طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» ، وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )). رواه البخاري (3/168) (2639) ومسلم (1433) (2/1055) .
(1) (امرأة رفاعة) واسمها تميمة بنت وهب. (فأبت) من البت وهو القطع أي قطع طلاقي قطعا كليا والمراد أنه طلقها الطلقة الثالثة التي تحصل بها البينونة الكبرى. (مثل هدبة الثوب) طرفه الذي لم ينسج كنت بهذا عن استرخاء ذكره وأنه لا يقدر على الوطء. (عسيلته) تصغير عسلة وهي كناية عن الجماع فقد شبه لذته بلذة العسل وحلاوته] شرح وتعليق د. مصطفى ديب البغا حفظه الله على صحيح البخاري .
قال : كيف تُقْبَل شهادة المرأة بهذا الأمر بمجرد الكلام ويكون سببا للطلاق ؟! وأنا قرأت النص في البخاري .
قلت : هل تعلم أن البخاري فيه 4000 حديثًا بدون المكرر (2) ، ومع المكرر (7563) ، والروايات الأخرى تفسر الحديث ،
، ومن قال إن شهادتها قبلت ؟! قال صلى الله عليه وسلم :
«لو يُعْطَى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعى واليمين على من أنكر» . حديث حسن، رواه البيهقي في السنن الصغرى (3386) (4/188) وابن حبان (5083) (11/477) ، وغيرهما ، وبعضه في الصحيحين .
(2) قال الإمام النووي رحمه الله في التقريب : ((وَجُمْلَةُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ: سَبْعَةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ حَدِيثًا بِالْمُكَرَّرَةِ وَبِحَذْفِ الْمُكَرَّرَةِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ)) وتعقبه العراقي فقال : هَذَا مُسَلَّمٌ فِي رِوَايَةِ الْفَرَبْرِيِّ، وَأَمَّا رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ شَاكِرٍ فَهِيَ دُونَ رِوَايَةِ الْفَرَبْرِيِّ بِمِائَتَيْ حَدِيثٍ، وَرِوَايَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ دُونَهُمَا بِثَلَاثِمِائَةٍ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا قَالُوهُ تَقْلِيدًا لِلْحَمَوِيِّ، فَإِنَّهُ كَتَبَ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ وَعَدَّ كُلَّ بَابٍ مِنْهُ ثُمَّ جَمَعَ الْجُمْلَةَ، وَقَلَّدَهُ كُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ رَاوِي الْكِتَابِ، وَلَهُ بِهِ الْعِنَايَةُ التَّامَّةُ. قَالَ: وَلَقَدْ عَدَّدْتُهَا وَحَرَّرْتُهَا فَبَلَغَتْ بِالْمُكَرَّرَةِ سِوَى الْمُعَلَّقَاتِ وَالْمُتَابَعَاتِ سِتَّةَ آلَافٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَسَبْعَةً وَتِسْعِينَ حَدِيثًا، وَبِدُونِ الْمُكَرَّرَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا، وَفِيهِ مِنَ التَّعَالِيقِ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَأَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ، وَأَكْثَرُهَا مُخَرَّجٌ فِي أُصُولِ مُتُونِهِ، وَالَّذِي لَمْ يُخَرِّجْهُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ، وَفِيهِ مِنَ الْمُتَابَعَاتِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ. هَكَذَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَنُقِلَ عَنْهُ مَا يُخَالِفُ هَذَا يَسِيرًا. قَالَ: وَهَذَا خَارِجٌ عَنِ الْمَوْقُوفَاتِ وَالْمَقَاطِيعِ. (تدريب الراوي للسيوطي (1 / 109 ، 110) ) ، أما على عد الحافظ ابن حجر فهو بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعين حديثاً. والخالص من ذلك بلا تكرار ألفان وستمائة وحديثان. وإذا أضيف إلى ذلك المتون المعلقة المرفوعة وهي مائة وتسعة وخمسون حديثا فمجموع ذلك (2761) وعدد أحاديثه بالمكرر وبما فيه من التعليقات والمتابعات واختلاف الروايات (9082) وهذا غير ما فيه من الموقوف على الصحابة والتابعين. (فتح الباري 1/ 465 : 469) .
وهذه رواية أخرى تفسر الرواية الأولى :
((عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ القُرَظِيُّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ، فَشَكَتْ إِلَيْهَا وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى المُؤْمِنَاتُ؟ لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا. قَالَ: وَسَمِعَ أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ، إِلَّا أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا، فَقَالَ: كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ، تُرِيدُ رِفَاعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنْ كَانَ ذَلِكِ لَمْ تَحِلِّي لَهُ، أَوْ: لَمْ تَصْلُحِي لَهُ حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ " قَالَ: وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ لَهُ، فَقَالَ: «بَنُوكَ هَؤُلاَءِ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ، فَوَاللَّهِ، لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الغُرَابِ بِالْغُرَابِ» . البخاري (5825) (7/148) .
- في هذه الرواية تصريح بأن الرجل لا يعيبه شيء قال : ((إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ ... وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ لَهُ، فَقَالَ: «بَنُوكَ هَؤُلاَءِ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ، فَوَاللَّهِ، لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الغُرَابِ بِالْغُرَابِ» ، وهذان ابنان له من الزوجة الأولى .< /font>
ونجمل القول هنا أنه لا مستند من الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المحلل ، وذلك للأدلة التالية :
-أولا : ظاهر الحديث أن الزوج الثاني عبد الرحمن بن الزبير القرظي تزوج المرأة بنية التأبيد (زواج رغبة وليس زواج تحليل) وبالتالي لو طلقها لا يكون محللا أبدًا .
- ثانيًا : لم يصدر عن المرأة ما يفيد أنها تنوي التحليل قبل الزواج الثاني ، ومعنى هذا أن كراهية المرأة الاستمرار مع الزوج الثاني ورغبتها في الطلاق ؛ لتعود إلى الزوج الأول (رفاعة) صدرت بعد الزواج الثاني وليس قبله ، ومهما بيتت النية فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقضي بالظاهر والله يتولى السرائر .
- ثالثًا : تأجيل النبي صلى الله عليه وسلم فكرة الطلاق بعد ذوق العسيلة تدل على أنه ربما تعيد المرأة النظر فلا تطلب الطلاق ، ومعلوم عن كثير من النساء التردد وتكرار طلب الطلاق دون حاجة .
- رابعًا : قال العلماء حتى تأتي على أربعة أنواع : حرف جر ، نحو قولك : ((سافرت من مصر حتى الشامِ ، أكلت السمكة حتى ذيلِها)) أي إلى ذيلِها ، وحتى ناصبة للمضارع بعدها بشرط أن يكون دالا على الاستقبال ، نحو : ((سأذهب إلى المدرسة حتى أتعلمَ)) ، وحتى عاطفة نحو : ((استوى الجيشُ حتى المشاةُ)) أي والمشاةُ ، وحتى ابتدائية مهملة غير عاملة ، والمضارع بعدها لا يدل على الاستقبال ، وإنما يدل على المضي نحو : ((حتى يقولُ الرسولُ)) على قراءة الإمام نافع ، وجمع هذه الأنواع بعض العلماء فقال :
تكون حتى حرف جر يا فتى ... وحرف نصب لمضارع أتى
وحرف عطف ثم حرف الابتداء ... أربعة فكن لها مقيدا
كمطلع الفجر وحتى يحكم ... النساء جاءوا كلهم حتى العُمَى
يا عجبا حتى كليبٌ تَسُبُّنِي ... حتى الجياد ما لها من أَرْسُنِ
فحتى هنا (حتى تذوقي عسيلته ...) تفيد انتهاء الغاية بدليل نصب تذوقي بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، وليس معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الطلاق ليحللها للأول ، ولم يقل أبدا بعد علمه بأن الزوج الثاني جامعها : ((طَلِّقْهَا)) وإنما جعل هذا أجلا مؤقتا للنظر في أمرهما بعد الدخول كما في حديث الغامدية التي زنت :
عن عَبْدِ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ، أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَزَنَيْتُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَرَدَّهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ، فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: «أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا، تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا؟» فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، قَالَ، فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى، قَالَ: «إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي» ، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ» ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ . رواه مسلم (1695) (3/1323) .
- خامسًا: وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ صَرِيحًا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَرَادَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا الْحَدِيثَ وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الطَّلَاقِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ قَالَ فَفَارَقَتْهُ بَعْدُ زَادَ بن جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّهُ يَعْنِي زَوْجَهَا الثَّانِيَ مَسَّهَا فَمَنَعَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَصَرَّحَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ مُرْسَلًا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ مَسَّنِي فَقَالَ كَذَبْتِ بِقَوْلِكِ الْأَوَّلِ فَلَنْ أُصَدِّقَكِ فِي الْآخِرِ وَأَنَّهَا أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ فَمَنَعَاهَا وَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الْأَخِيرَةُ فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ الْمَذْكُورَةِ أَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ وَوَقَعَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ زَادَ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ فِيمَا رَوَاهُ بن وَهْبٍ عَنْهُ وَتَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْغَرَائِبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ثَلَاثًا فَنَكَحَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَاعْتُرِضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْحَدِيثَ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا أَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالَ لَا الْحَدِيثَ . (فتح الباري لابن حجر 9 / 468 ، 469) .
- سادسًا : لا عبرة بشذوذ من خالف من العلماء :
قال ابن بَطَّال : ((واختلفوا فى عقد نكاح المحلل، فقال مالك: لا يحلها إلا نكاح رغبة، وإن قصد التحليل لم يحلها، وسواء علم ذلك الزوجان أو لم يعلما لا تحل ويفسخ قبل الدخول وبعده، وهذا قول الليث، والثورى، والأوزاعى، وأحمد. وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعى: النكاح جائز، وله أن يقيم على نكاحه، وهو قول عطاء والحكم.
وقال القاسم، وسالم، وعروة، والشعبى: لا بأس أن يتزوجها ليحللها إذا لم يعلم بذلك الزوجان، وهو مأجور بذلك، وهو قول ربيعة، ويحيى بن سعيد. والحجة لمالك أن النبى (صلى الله عليه وسلم) لعن الْمُحَلِّلَ والْمُحَلَّلَ له من حديث على، وابن مسعود، وعقبة ابن عامر، وفى حديث عقبة: (ألا أدلكم على التيس المستعار) ، وهو المحلل ولا فائدة للعنة إلا إفساد النكاح والتحذير منه، وقد سئل ابن عمر عن نكاح المحلل، فقال: ذلك السفاح.)) (شرح ابن بطال 7 / 480 ، 481) .
وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُجَامَعَةِ وَهُوَ تَغْيِيبُ حَشَفَةِ الرَّجُلِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَزَادَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حُصُولُ الْإِنْزَالِ وَهَذَا الشَّرْطُ انْفَرَدَ بِهِ عَن الْجَمَاعَة قَالَه بن الْمُنْذر وَآخَرُونَ وَقَالَ بن بَطَّالٍ شَذَّ الْحَسَنُ فِي هَذَا وَخَالَفَهُ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَيُحْصِنُ الشَّخْصَ وَيُوجِبُ كَمَالَ الصَّدَاقِ وَيُفْسِدُ الْحَجَّ وَالصَّوْمِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعُسَيْلَةُ لَذَّةُ الْجِمَاعِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ تَسْتَلِذُّهُ عَسَلًا وَهُوَ فِي التَّشْدِيدِ يُقَابِلُ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الرُّخْصَةِ ... قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْجِمَاعِ لِتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنْهُ قَالَ يَقُولُ النَّاسُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعَهَا الثَّانِي وَأَنَا أَقُولُ إِذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِحْلَالَهَا لِلْأَوَّلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ وَهَكَذَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنِ اسْتَبْعَدَ صِحَّتَهُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهِ إِلَّا طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثَ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ قُلْتُ سِيَاقُ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ )) . (فتح الباري لابن حجر بتصرف 9 / 466 ، 467) .
قال : إذن المحلل حرام ، وكل ما نراه في التلفزيون ليس صحيحا ، وكل الشيوخ الذين يفعلون هذا حرام؟
قلت : نعم زواج المحلل باطل ، قال صلى الله عليه وسلم : «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . صحيح رواه أبو داود (2076) (2/227) ، وابن ماجه (1936) (1/623) وغيرهما ورواية ابن ماجه بإسناد حسن عن عُقْبَةِ بْنُ عَامِرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ» ، قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» .
ونكاح المحلل على صورتين كما ذكر العلماء :
الأُولى: وفيها يُشترط في العقْد أن يتزوَّجها بنيَّة التَّحليل، وهذا الزَّواج باطل باتفاق العلماء، وصاحبُه ملعون
وعن نافعٍ عن ابن عُمَر: أنَّ رجُلاً قال له: أتزوَّجها أحلُّها لزوْجِها، لم يأمرني، ولم يعلم؟ قال: "لا، إلاَّ نكاح رغبةٍ، إن أعجبتْك أمسكتَها، وإن كرهتَها فارقْتَها، قال: كنَّا نعدُّه على عهد رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم سفاحًا، وقال: لا يزالان زانِيَين، وإن مكثا عشرينَ سنة" (رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم، والبيهقي).
وهو قول عثمان رضِي الله عنْه، وروي عن ابن عبَّاس.
وذكر ابن تيمية وغيره من العلماء أنه لا يحلُّ للمطلِّق ثلاثًا أن يتزوَّجها حتَّى ينكِحَها رجلٌ، مرتغبًا لنفسِه، نكاح رغبةٍ لا نِكاح دُلسة، ويدخُل بها بحيث تذوق عسيلتَه ويذوق عسيلتَها، ثمَّ بعد هذا، إذا حدثَ بينهما فرقة، بِموتٍ أو طلاقٍ أو فسْخٍ، جاز للأوَّل أن يتزوَّجها... قال سَعيدُ بن المُسَيّب في رَجُلٍ تَزَوَّجَ امرَأةً لِيُحِلَّها لِزَوْجِها الأوَّل، ولَم يَشعُرْ بِذَلكَ زَوجُها الأوَّلُ ولا المَرْأةُ، قَالَ: "إنْ كانَ إنَّما نَكَحَها لِيُحِلَّها، فَلا يَصْلُحُ ذَلِك لهُما، ولا تَحِلُّ".
وقالَ إبْراهِيمُ النَّخَعيُّ: "إذا هَمَّ الزَّوْجُ الأوَّلُ، أو المَرْأةُ، أو الزَّوْجُ الأخِيرُ، بالتَّحْليلِ - فالنِّكاحُ فاسِدٌ" . (رَواهُما حَرْبٌ الكَرْمانِيُّ).
وعَن سَعيدِ بْنِ المُسَيّب، قالَ: "أمَّا النَّاسُ فَيَقولونَ حتَّى يُجامِعَها، وأمَّا أنا فإنِّي أنا أقُولُ: إذا تَزَوَّجَها تَزْويجًا صَحيحًا، لا يُريدُ بِذَلِكَ إحْلالاً لها، فَلا بَأسَ أنْ يَتَزَوَّجها الأوَّلُ" (رَواهُ سَعيدُ بْنُ مَنْصورٍ).
وقالَ أبُو الشَّعْثاءِ جابِرُ بْنُ زَيْدٍ، في رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأةً لِيُحِلَّها لِزَوْجِها وَهُوَ لا يَعْلَمُ، قَالَ: "لا يَصْلُحُ ذَلِكَ إذا كانَ تَزَوَّجَها لِيُحِلَّها".
وعَن الحَسَنِ وإبْراهِيمَ النَّخَعيِّ، قالا: "إذا هَمَّ أحَدُ الثَّلاثةِ بالتَّحْلِيلِ، فقَد فسَدَ العَقْدُ" (رَوَاهُما سَعيدٌ).
وعلى هَذا؛ فَلَيْسَ عَنْ أحَدٍ مِن التَّابِعينَ رُخْصَةٌ في نِكاحِ المُحَلِّلِ، إذا عَلِمَت بِه المَرْأةُ والزَّوجُ المُطَلِّقُ، فضْلاً عَن اشْتِرَاطِه، والمَشْهورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعيِّ: أنَّ هَذا الشَّرْطَ المُتَقَدِّمَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وكَذَلكَ ذَكَرَهُ القاضي في "المُجَرَّدِ": أنَّ ذَلِكَ عِنْدَنا كَنِيَّةِ التَّحْليلِ مِنْ غَيرِ شَرْطٍ، وخَرَّجَ فِيهِما وَجْهَيْن، وأمَّا إذا شَرَطَ التَّحْليلَ في العَقْدِ، فَهُو باطِلٌ". اهـ. مختصرًا.
قال ابن قُدامة في "المغني": "فإن شرط عليْه التَّحليل قبل العقْد، ولم يذكرْه في العقْد، ونواه في العقد، أو نَوى التَّحليل من غير شرْط - فالنِّكاح باطل أيضًا". اهـ.
أمَّا الصُّورة الثَّانية، فيقع بدون شرْط؛ ولكن يقع بنيَّة، والنِّيَّة قد تكون من الزَّوج، وقد تكون مِن الزَّوجة، فإذا كانت من الزَّوج، فلا يكونُ النِّكاح صحيحًا.
وأمَّا إن كانت النيَّة من المرْأة أو أوليائِها، فهذا محلُّ خِلاف بين العُلماء، فذهب أحمد إلى أن نيَّة المرأة ليست بشيء، والراجح قول الجهور أنه مثل القسم الأول في المنع. (3)
(3) (نقلا عن أ/خالد الرفاعي باختصار ، وراجع الرابط : http://ar.islamway.net/fatwa/39879 )
والفتوى : http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?pa ge=showfatwa&Option=FatwaId&Id=38431
أثناء الحديث كان الأخ يدخل من شارع إلى حارة ويعترض على كثير من النصوص ولا غرو ؛ فإنه على دين غير الإسلام ، وهذا أمر طبيعي من أشخاص يحاولون الطعن في الإسلام ،
ومنه قوله : إن رسول الإسلام تزوج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة السن ، وعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ،
قلت : نعم ، ثبت في الحديث :
عَنْ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» . رواه البخاري (5134) (7/17) ، ومسلم (1422) (2/1039) .
ومعلوم أن بلوغ البنات في الأماكن الحارّة أسرع من الأماكن الباردة .
قال : ليس مقياسًا ، وإلا ففي السعودية مثلا البنت تبلغ تسع سنين ، وفي الأماكن الاستوائية تبلغ عند ثلاث سنين .
قلت : لا ، وإنما نسبيًا البلوغ في الأماكن الحارة أسرع ، وأنا شخصيا كنت أدرس بالأزهر الشريف لبنات من الصومال ، وكنت أرى البنت في الصف الرابع أو السادس الابتدائي ما شاء الله مثل الباب .
مثال زواج فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَاطِمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا صَغِيرَةٌ» فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ . صحيح رواه النسائي في المجتبى (3221) (6/62) ، وابن حبان (6948) (15/399) وغيرهما .
قال القاري : يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَةً عِنْدَ خِطْبَتِهَا، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ حِينَ كَبِرَتْ وَدَخَلَتْ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ خَطَبَهَا عَلِيٌّ، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا لِكِبَرِ سِنِّهِمَا وَزَوَّجَهَا مِنْ عَلِيٍّ لِمُنَاسَبَةِ سِنِّهِ لَهَا، أَوْ لِوَحْيٍ نَزَلَ بِتَزْوِيجِهَا لَهُ . اهـ.
(مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6104) (3944/9)) .
وسن فاطمة رضي الله عنها حين تزوجت، كما قال ابن عبد البر: كَانَ سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفًا، وكانت سن عليّ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر. اهـ. (الاستيعاب 1893/4) .
وبذلك قال أكثر المؤرخين كالْمِزِّي وابن كثير وابن الأثير واليافعي وابن العماد والعصامي.
وقال الذهبي : دَخَلَ بِهَا عَلِيٌّ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَقَدِ اسْتَكْمَلَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ. (تاريخ الإسلام 3/43) اهـ.
وقال المناوي : لما شبت فاطمة وترعرعت، وبلغت من العمر خمس عشرة سنة، وقيل: ست عشرة سنة وقيل: ثماني عشرة سنة وقيل أحدى وعشرين، تزوجها علي وعمره نحو إحدى وعشرين سنة وقيل: غير ذلك في رمضان من السنة الثانية من الهجرة. (إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل ص 33) اهـ.
يتبع .......
وأما زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة في سن ست سنوات ودخوله عليه وهي بنت تسع سنين فإن زواجه منها وقع بوحي إلهي ؛ ففي الحديث : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا: " أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ " . رواه البخاري (3895) (5/56) ، ومسلم (2438) (4/1889) .
ولتوثيق الصلات مع أفضل أصحابه أبي بكر الصديق رضي الله عنه ،
قال : كيف فاطمة تتزوج وهي بنت خمس عشرة سنة ، وعائشة تزوجت وهي بنت تسع سنين ؟!
قلت : عادة النساء تختلف وتتنوع في كل بلد ، فمثلا في مصر من النساء من تبلغ وهي بنت سنين ، وبعضهن تبلغ وهي بنت اثنتي عشرة سنة ، وهناك غير ذلك ، ومدة الدورة أيضا تختلف ؛ فمنهن من تستمر دورتها خمسة أيام ، ومنهن ستة أيام ، ومنهن سبعة أيام ... إلخ ، وكذلك الناس يختلفون في الطول والقصر ولون البشر في المصر الواحد ، ثم إنه ليس قولًا واحدًا أنه لا دخول إلا ببلوغ ، بل يراعى عند كثير من الفقهاء أن تكون البنت مطيقة للجماع وألا يترتب على هذا الدخول ضرر : ودخول النبي صلى الله عليه وسلم بأمنا عائشة كان بعد بلوغها هذا المبلغ، ولذلك تأخر بعد العقد عليها بنحو ثلاث سنوات، كما في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم "تزوجها وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين.
ومما يؤكد مراعاة هذا المعنى قبل زفاف عائشة، أنها قالت: " أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ تُسَمِّنَنِي لِدُخُولِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَمْ أَقْبَلْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُرِيدُ حَتَّى أَطْعَمَتْنِي الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ، فَسَمِنْتُ عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ السَّمْنِ ". صحيح رواه أبو داود (3903) (4/15) وابن ماجه (3324) (2/1104) وغيرهما. (4)
(4) (القثاء) قيل هو الخيار وقيل نوع خاص يشبهه (الرطب) ثمر النخل إذا أدرك ونضج قبل أن يصير تمرا. أفاده باختصار د.مصطفى البغا.
وراجع الفتوى : http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?pa ge=showfatwa&Option=FatwaId&Id=195133
ثم إن كل زيجات النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن لشهوة ، تزوج خديجة رضي الله عنها وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وهي بنت أربعين سنة وكانت ثيبا سبق لها الزواج ورزقها الله منها بالأولاد والبنات : القاسم وعبد الله (الطيب أو الطاهر) وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة .
وعندما ماتت في العام العاشر من البعثة (3 قبل الهجرة) وهو ما يسمى بعام الحزن ، تزوج بعدها السيدة سَوْدَة بنت زَمْعَة وكانت أيضا تكبره بخمس عشرة سنة ؛ لترعى أولاده.
هنا اعترض الأخ ، وقال : وهل كان للرسول أولاد ؟
قلت : نعم ، ولكنهم ماتوا صغارا ، وكان له بنات هن : زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة .
قال : هؤلاء بناته ؟!
قلت : نعم راجع معلوماتك ، وأنا الآن لست مطالبًا بأن أثبت لك أمورًا معلومة في كل كتب السيرة .
قال : ما معنى إن شانئك هو الأبتر .
قلت : يعني إن مبغضك وكارهك هو مقطوع النسب أي لا عَقِبَ له ،
قيل نزلت في العاص بن وائل ، وقيل أبو جهل، وقيل أبو لهب، وقيل عقبة بن أبي معيط ، وقيل جماعة من قريش . (زاد المسير 4/498) .
وفعلا من طعن في النبي صلى الله عليه وسلم قطع الله نسله ونسبه ، وبقي نسب النبي صلى الله عليه وسلم ، أنا الآن أحدثك ونسبي يمتد إلى فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو القائل صلى الله عليه وسلم : «كُلُّ نَسَبٍ وَسَبَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا نَسَبِي وَسَبِبِي» . حسن رواه سعيد بن منصور في السنن (520) (1/172) ، والبزار (274) (1/397) وغيرهما .
ثم قلت : وبعد زواج السيدة سودة بنت زمعة تزوج السيدة عائشة رضي الله عنها في المدينة المنورة في أول عام من الهجرة ، وأحيلك إلى كتاب الأستاذ نبيل لوقا بباوي (5) ، وهو مفكر نصراني مصري كتب كتابًا في زيجات الرسول صلى الله عليه وسلم وأثبت أن كل هذه الزيجات لم تكن لشهوة :
(5) لتحميل الكتاب : http://www.a2.ebnmaryam.com/Files/Books/wive s.zip
نعود إلى الآية (الطلاق 4) وسبب نزولها ، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله :
(( قال أُبَيُّ بن كعب: يا رسول الله: إن نساء من أهل المدينة يقلن: قد بقي من النساء ما لم يذكر فيه شيء. قال: «وما هو؟» قال: الصغار والكبار، وذوات الحمل، فنزلت هذه الآية، قاله عمرو بن سالم.
(1461) والثاني: لمّا نزل قوله عزّ وجلّ: ((وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) الآية «2» قال خلاَّد بن النعمان الأنصاري: يا رسول الله، فما عِدَّة التي لا تحيض، وعدَّة التي لم تحض، وعدة الحُبلى؟ فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. ومعنى الآية: إِنِ ارْتَبْتُمْ، أي: شككتم فلم تَدْرُوا ما عِدتَّهن فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ كذلك.
إلى إن قال قوله عزّ وجلّ: ((وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) يعني: عدتهن ثلاثة أشهر أيضاً، لأنه كلام لا يستقلُّ بنفسه، فلا بدَّ له من ضمير، وضميره تقدَّم ذكره مظهراً، وهو العدَّة بالشهور. وهذا على قول أصحابنا محمول على من لم يأت عليها زمان الحيض: أنها تعتد ثلاثة أشهر. فأما من أتى عليها زمان الحيض، ولم تحض، فإنها تعتدّ سنة)) . (زاد المسير 4/ 298 : 300) .
قال : معي آية في سورة الأحزاب أنه لا عدة بغير دخول ، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)) (الأحزاب 49) .
قلت : نعم لكن ليس الكلام على إطلاقه ، هناك تفصيل .
قوله تعالى: ((إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ)) قال الزجاج: معنى «نَكَحْتُم» تزوَّجتم (6) . ومعنى «تَمَسَّوهُنَّ» تَقْربوهن. وقرأ حمزة، والكسائي: «تُمَاسُّوهُنَّ» بألف. قوله تعالى: فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها أجمع العلماء أنه إِذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة فلا عِدَّة (7) (8) وعندنا (أي الحنابلة) أن الخلوة توجب العِدَّة وتقرّر الصّداق، خلافا للشّافعيّ رضي الله عنه.
وفي الرابطين تفصيل لتوضيح معنى الدخول : (الخلوة التي يحتمل معها الجماع ، حتى وإن لم يتم الجماع) ، وعدة اللائي لم يحضن (9) :
(6) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» 3/ 611: هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة، منها: إطلاق النكاح على العقد وحده، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها.وقوله الْمُؤْمِناتِ خرج مخرج الغالب، إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق.(7) قال ابن كثير رحمه الله (3/ 612) : وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء إذا طلّقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت، ولا يستثنى من هذا إلا المتوفّى عنها زوجها فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشرا وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضا.وقال الإمام الموفق في «المغني» 9/ 533: فأما الخلوة بالمرأة، فالصحيح أنها لا تنشر حرمة. وقد روي عن أحمد: إذا خلا بالمرأة، وجب الصّداق والعدة، ولا يحل له أن يتزوج أمها أو ابنتها. قال القاضي: هذا محمول على أنه حصل مع الخلوة الجماع، فيخرّج كلامه بقوله: لا يحرّمه شيء من ذلك إلا الجماع. وفي رواية عن أحمد. فأما تحريم أمها فبمجرد العقد، وأما تحريم ابنتها فبالدخول وقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فأما مع خلّوه من ذلك، فلا يؤثر في تحريم الربيبة لما في ذلك من مخالفة قوله تعالى. وأما الخلوة بأجنبية. فلا تنشر تحريما. لا نعلم في ذلك خلافا.وجاء في «المغني» 11/ 197: العدة تجب على كل من خلا بها زوجها، وإن لم يمسها. وإن خلا بها ولم يصبها ثم طلّقها، فإن مذهب أحمد وجوب العدة عليها. وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وزيد، وابن عمر وأصحاب الرأي والشافعي في القديم. وقال الشافعي في الجديد: لا عدّة عليها، لهذه الآية وهذا نص. ولأنها مطلقة لم تمس، فأشبهت من لم يخل بها. ولنا، إجماع الصحابة. فإنه من أرخى سترا أو أغلق بابا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة. وهذه قضايا اشتهرت ولم تنكر فصارت إجماعا. وقد روي عن أحمد، أن الصداق لا يكمل مع وجود المانع، فكذلك يخرج في العدة. لأن الخلوة إنما أقيمت مقام المسيس، لأنها مظنة له، ومع المانع لا تتحقق المظنة. ولأن العدة تجب لبراءة الرحم. وأجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر، مدخولا بها أو غير مدخول بها، سواء كانت كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ.(زاد المسير بتحقيق أ/عبد الرزاق المهدي باختصار) (3/ 472 ، 473) .
(8) وأما أنواع العدة ففي الرابط : http://www.kalemasawaa.com/vb/showthread.php ?t=1190
(9) http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?pa ge=showfatwa&Option=FatwaId&Id=192391
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?pa ge=showfatwa&Option=FatwaId&Id=167863
والهدف من كل هذا بيان الجواز أو الإباحة ، وليس الوجوب ، والأحكام الشرعية في الإسلام خمسة :
واجب : يلزم أداؤه ، ويثاب فاعله امتثالا ويعاقب تاركه ،
ومستحب : يسن أداؤه ، ويثاب فاعله امتثالا ولا يعاقب تاركه ، وقال بعض فقهاء الحنفية يعاتب عليه يوم القيامة حتى يتساقط لحم وجهه خجلا من الله .
وحرام : يجب تركه ، ويعاقب فاعله ويثاب تاركه امتثالا ،
ومكروه : يستحب تركه ، ويثاب تاركه امتثالا ولا يعاقب فاعله ،
ومباح : لا ثواب ولا عقاب إلا بالنية الصالحة ، فالنية الصالحة تحول العادة إلى عبادة ، وعبادة أهل الغفلة عادة ، وعادة أهل اليقظة عبادة ، كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : ((أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي)) . رواه البخاري (4341) (5/161) ، ومسلم (1823) (3/ 1456) . أي ينام بنية التَّقَوِّي على الطاعة .
قال العلماء أي عمل يقوم به المسلم فهو داخل في هذه الأحكام الشرعية الخمسة ومن قال بأن هناك عملا ليس له حكم من هذه الخمسة فقد اتهم الله بالعبث ، ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)) (المؤمنون 155) .
مثال للمباح : شخص يحب أن يأكل الدجاج ، وآخر يحب أن يأكل السمك ، وهذا يحب أن يأكل بخلاف هذا هل معنى محبة شخص لطعام دون الآخر أنه واجب ، في الحديث : ((رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيَّ)) . رواه البخاري (5391) (7/71) ، ومسلم (1945) (3/1543) .
والقاعدة الفقهية تقول لا ضرر ولا ضرار (وهو حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه (2340) (2/784) ومالك (2758) (4/1078) وغيرهما) أي لا تضر نفسك ولا تؤذي غيرك ؛ فإذا ترتب على هذا الزواج ضرر فهو حرام بإجماع الفقهاء ، والله أعلم .
كل هذا لأن الإسلام دين لكل زمان ومكان ؛ فهو يحكم بمشروعية أو حرمة أي عمل .
قال : فما الحكمة من أن تكون عدة امرأة لم يجامعها رجل ثلاثة أشهر ؟ (يقصد اللائي لم يحضن واختلى بها زوجها ولم يجامعها ثم طلقها)
قلت : الحكمة عندنا تعبدية (وهذا مشهور في كثير من الأحكام عند فقهاء المالكية والشافعية) ، ومقتضى هذه الحكمة أن يقول الرب أمرت ونهيت وأن يقول العبد سمعت وأطعت .
قال : بأي عقل وأي منطق ؟!
قلت : نفترض أن عندك شركة وأنت مديرها ، ثم كلفت خادما فيها أن يشتري لك زجاجدة مياه معدنية وزجاجة عصير باردة وزجاجة بنزين ، ماذا لو قال لك الخادم لماذا ؟! ماذا ستفعل معه ؟! ربما تعاقبه وتطرده ؛ لأنه تدخل فيما لا يعنيه .
الله سبحانه وتعالى خالق ، وهو عليم بخلقه : (( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (الملك 14) ، وامتحنهم بهذه الأمور ، فإن أطاعوا ونفذوها أثابهم ، وإن خالفوا ورفضوها عاقبهم ، ((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) (الأنبياء 23) ، قد يطلعنا على بعض الحكم التعليلية لبعض الأمور والنواهي ، ويخفي عنا الكثير من الحكم ، متى يعرفها الإنسان ؟
يوم القيامة .
مثال الخضر عليه السلام مع موسى عليه السلام :
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)
ثم فسر له الحكم من هذه الأمور فقال :
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
مثال آخر : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . رواه مسلم (279) (1/234) .
الآن تكنولوجيا التنظيف تبهر العقول ؛ يعني من الممكن أن يضع الإنسان مسحوقا معينا على الإناء فينظفه مرة واحدة ، هل هذا يجزئ ؟
قال جميع الفقهاء : لا ، لماذا؟! لأن الحكمة تعبدية ، فضلا عن أنهم اكتشفوا اليوم أن بالتراب مادةً تزيل البكتريا والجراثيم الموجودة في لُعَاب الكلب .
مثال آخر للعدة : امرأة سافر عنها زوجها لمدة سنة أو سنتين أو أكثر ولم يلمسها منذ فترة بعيدة ثم مات ، ما عدتها ؟ قال الفقهاء عدتها أربعة أشهر وعشرًا ، لماذا ؟! هل الرحم يحتاج إلى إبراء بعد كل هذه الفترة ، وهو أصلا لم يلمسها منذ سنة أو سنتين أو أكثر ؟!
بعض العلماء يعللون عدة المتوفَى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ؛ لأن مدة اكتمال الخلق مائة وعشرون يوما ، كما في الحديث : " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ..." . صحيح رواه البخاري (3208) (4/111) ، ومسلم واللفظ له (2643) (4/2036) وهذا ما أثبته العلم الحديث ، ووالد عالم الأجنة كيث مور .
قال معترضًا : لا داعي لهذا الموضوع لأن عندي ...
قلت : دعني أكمل ثم نتناقش فيما عندك ، فقال بعض السلف علة عدة المتوفى عنها زوجها 120 يومًا لضمان عدم وجود ما يؤدي لخلق ولد و10 أيام احتياطًا ، وهذا أيضا ليس صحيحًا لما تقدم ، وإنما الحكمة تعبدية .
قال : للحزن .
قلت : لا بدليل أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها ؛ إن مات الرجل وامرأته حامل ، ثم ولدت بعد وفاته بأسبوع حلت وتزينت للخطاب كما في حديث سُبَيْعَةَ الأسلمية رضي الله عنها الذي رواه البخاري (3991) (5/80) ، ومسلم (1484) (2/1122) .
مثال آخر للعدة :
رجل في أوروبا تزوج امرأة من مصر بالوكالة ولم يلتق بها مرة واحدة ، ثم مات هناك ما عدتها ؟
قال الفقهاء : عدتها أربعة أشهر وعشرا وترث المرأة زوجها المتوفَى .
نخلص من هذا أن الحكمة تعبدية ، قال الله تعالى : ((إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (النور 51) .
((وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) (البقرة 285) .
قال : يعني الإنسان يسمع ويطيع ولا يسأل ؟!
قلت : نعم إن كان مؤمنا بالله ، السؤال يكون من البداية ، ولم يجبره أحد على الإسلام ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) (البقرة 256) .
قاطعني قائلا : لا داعي للا إكراه في الدين لأن عندي فيها كلاما ،
قلت : دعني أكمل وسنعود لنتناقش في كل هذه الأمور ، فإذا اعتقد في الإسلام وآمن بالله لا يصح أن يعترض على شيء لأنه مؤمن بأن الله يعرف مصلحته ، وهذا هو الفرق بيننا وبينكم ، نحن نقول سمعنا وأطعنا وأنتم تقولون سمعنا وعصينا .
أضرب لك مثالا : عندك شيء تريد أن تنقله إلى مكان ، وقلت لعامل انقل لي هذا ، فقال لك : لا أستطيع صعب ، وكنت تنوي أن تعطيه عشر جنيهات ، فجئت بشخص آخر ، فقال : الله يسهل ، بسم الله ، وبدأ يحمل الشيء هل ستساعده ؟
قال : نعم طبعًا ، قلت : وربما بعد أن تنقل الشيء تعطيه أكثر من عشر جنيهات ، عشرين أو أكثر .
قال : نعم ، قلت كذلك ، انظر لهذا الحديث :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] ، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ ، وفي رواية قال ((قَدْ فَعَلْتُ)) " {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ " وفي رواية قال ((قَدْ فَعَلْتُ)) {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ " وفي رواية قال ((قَدْ فَعَلْتُ)) {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] " قَالَ: نَعَمْ " وفي رواية قال ((قَدْ فَعَلْتُ)) . والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ليست هناك تعليقات: